تقرير: محاسن نجم
لجأنا إلى أثيوبيا بحثًا عن الأمان، لكننا واجهنا سوء الأوضاع في معسكرات اللاجئين، هناك قتل ونهب وتهديد مستمر لحياتنا؛ ما اضطرنا للمغادرة بحثًا عن الأمان، لكن احتُجزنا في غابة حيث نعاني الأمرين، بتلك الكلمات وصفت اللاجئة السودانية، نسمة محي الدين، الوضع داخل أثيوبيا التي لجأت إليها بعد اندلاع الصراع المسلح في السودان بين قوات الجيش السوداني وميليشيا الدعم السريع في 15 أبريل 2023.
ما ذكرته نسمة في حديثها لـ المهاجر أكدت عليه اللاجئة روضة عثمان أبو بكر والتي فرت من العاصمة السودانية الخرطوم، قائلة: خرجنا بسبب الحرب إلى إثيوبيا وتم نقلنا من الحدود بالحافلات إلى معسكر “ترنسيت”، كان وضع المعسكر سيء جدًا تعرضنا داخله لكل أنواع القهر ما دفع إحدى اللاجئات للانتحار.
وتضيف: تم ترحيلنا لمعسكر آخر وهو أولالا حيث الجحيم الحقيقي والرعب من إطلاق النيران والصراع بين “ميليشيا مسلحة” والجهات الأمنية الإثيوبية، تعرضنا للسلب والنهب والتهديد والخطف والاغتصاب، ناشدنا منظمة اللاجئين الإثيوبية بتوفير الأمن وأبسط أنواع الحقوق وتم الرفض المطالب؛ مما اضطرنا للخروج للبحث عن مكان آمن. ولكن تم وضعنا في الغابة دون أي معون، ونعاني الموت البطيء مع الحشرات ولدغات العقارب والثعابين المتكررة.
منذ اندلاع الصراع في السودان فر قرابة 9 ملايين شخص، منهم نحو ميلوني عبروا الحدود تجاه الدول المجاورة، استقبلت إثيوبيا 34 ألف و363 لاجئ وطالب لجوء سوداني، بحسب المفوضية السامية لشئون اللاجئين.
لا مقومات للحياة
تُشير إحصائيات منظمة بلان انترناشونال أن عدد اللاجئين السودانيين في معسكري كومر وأولا لا في إقليم أمهرا 5500 لاجئ و2003 لاجئ على التوالي، ويعيش اللاجئين في المعسكر بين صراعات السلطات والميليشيات المسلحة ما جعلهم عرضة للاعتداءات والإصابات.
كما أن مقومات الحياة من طعام وشراب لم تكن كافية، يقول حسن الصادق شمعون، لاجئ سوداني ويعمل في تنسيقة اللاجئين السودانيين العالقين في غابات أمهرة، تقع مسئولية الغذاء على عاتق برنامج الأغذية العالمي (WFP) بالتعاون مع الحكومة الإثيوبية ممثلة في منظمة اللاجئين الإثيوبية (RRS) وتُشرف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على عمليات توزيع الطعام.
يحصل اللاجئ (الفرد الواحد) على مساعدة غذائية لشهر واحد تتمثل في 10 كيلوجرام من القمح، 1 رطل من زيت الطعام، 900 جرامًا من العدس، 1 كيلو من الدقيق المخلوط، ومعلقتين من ملح الطعام، بحسب ما قاله حسن لـ المهاجر.
أما عن توافر المياه، يؤكد حسن أن عدد خزانات المياه في المعسكر لا تكفي احتياجات اللاجئين للاستهلاك اليومي، وعاشوا معاناة مع صفوف وطوابير المياه، كما تفاقم الوضع الصحي داخل المعسكر بعد ما انتشرت موجات من الكوليرا بين صفوف اللاجئين العام الماضي، واللقى الكثير حتفه بسببها.
يضيف: أما بالنسبة للعيادات الداخلية بالمعسكرات فكانت خالية من الدواء ولا يوجد فيها سوى المسكن ومضاد حيوي كان يصرف من قبل خبير تغذية وكانوا يحضرون الدواء مع والوفود الزائرة وعند مغادرتها يأخذون جميع الأدوية التي احضروها قبل الزيارة.
شكاوى دون رد
قدم اللاجئون شكاوى عديدة للمنظمة الإثيوبية للاجئين ولمفوضية الأمم المتحدة للاجئين، وضحوا فيها الانتهاكات التي تطالهم وطالبوا بإجلاهم لمناطق أكثر أمنًا تتوفر بها المقومات الأساسية للحياة أو أن يتم إجلاؤهم من إثيوبيا وإعادتهم إلى السودان.
يوضح حسن شمعون الخطوات التي اتخذها اللاجئون في سبيل الحصول على حياة كريمة قائلًا: بتاريخ 16 أبريل 2024 صدر بيان من تنسيقية اللاجئين في إقليم أمهرة يقول إنه في حالة الاستجابة لمطالبهم وعلى رأسها الإجلاء إلى مكان أمن خارج إثيوبيا سيتوجهون إلى مقر مفوضية اللاجئين في مدينة قندر سيرًا على الأقدام بصورة جماعية.
انتظر اللاجئون قرابة 15 يومًا للرد على مطالبهم ولم يحصلوا على رد، تحركوا يوم 1 مايو/أيار 2024 لمدينة قندر، ولكن بعد السير لمسافة 3 كيلومترات عن المعسكر أوقفتهم الحكومة الإثيوبية واحتجازتهم داخل غابة، وتمارس ضغوطًا عدة للعودة قسرًا للمخيمات.
أفعال ضد الإنسانية
يُعدد حسن الممارسات التي تنتهجها الحكومة الإثيوبية ضد اللاجئين قائلًا: مارست الحكومة الاثيوبية المتمثلة في هيئة اللاجئين الإثيوبية أسلوب التهديد أثناء الاجتماعات التي تمت بين اللاجئين والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين ,قالت بأنه إذا لم يعود اللاجئون إلى المخيمات ستستخدم القوة وتجبرهم على العودة.
كما قطعت الحكومة جميع الإمدادات الغذائية والصحية وحتى مياه الشرب لوصولها إلى اللاجئين، سواء كان عبر المنظمات الإنسانية والخيرية وحتى من أهالي القرى المجاورة لمكان الاحتجاز داخل الغابة.
يؤكد حسن أن “الحكومة الإثيوبية تستخدم المياه كوسيلة للضغط على اللاجئين، إذ تقوم بطرح الماء على الأرض بدل أن تدعنا نشربه؟؟ أين الإنسانية في هذا؟؟.”
ومنعت الحكومة جميع الجهات المسؤولة سواء المانحين أو الصليب الأحمر وحتى الجهات الإعلامية لمعرفة الحقائق وما يجري في أرض الواقع.
وتروج الحكومة بأن عدد اللاجئين الذين خرجوا محدود وهو 1000 لاجئ من معسكر كومر و300 لاجئ من معسكر أولالا، وينفي حسن صحة تلك الأرقام قائلًا: إحصائيات اللاجئين السودانيين بدولة إثيوبيا إقليم الأمهرة العالقين الأن في الغابات هي:ألفان و133 طفلًا و1 ألف و17 سيدة، و1 ألف و719، و1 ألف و135 مريضًا، و76 حالة ذوي إعاقة، بإجمالي 6 آلاف و80 لاجئًا.
عالقون وسط الأمطار والأمراض والجوع
قرر اللاجئون المحتجزون في الغابة الإضراب عن الطعام حتى يوفروا الطعام لفئات المحتاجة منهم، بحسب نسمة اللاجئة السودانية العالقة في السودان يوجد 5 نساء حوامل عالقون في الغابة بالإضافة للأطفال وكبار السن.
وعلى مدار أكثر من أسبوع لم يتناول المضربون عن الطعام أي لقمة تسد الرمق حتى سقط اثنان منهم مغشيًا عليهم وفق منشور نشرته مجموعة اللاجئين السودانيين في إثيوبيا.
فاقمت الأمطار معاناة اللاجئين، تقول هاجر سبت، لاجئة سودانية في إثيوبيا، لـ المهاجر نعاني من هطول الأمطار المستمر وانتشار الأمراض كالملاريا والكوليرا.
تواصلنا مع المفوضية السامية لشئون اللاجئين عبر الإيميل الرسمي للمسئول الإعلامي باسم المفوضية في إثيوبيا، لكن لم يصلنا رد حتى كتابة التقرير.
فيما أصدرت المفوضية بيانًا نشرته عبر موقعها الإلكتروني أفادت فيه بأنها قلقة إزاء وضع اللاجئين في الغابة، وهي تتابع الأمر مع الحكومة الإثيوبية وتأكدت من توفيرها حماية أمنية للاجئين، وهو ما يناقض تصريحات اللاجئين العالقين.
لا يطلب نسمة وروضة وهاجر وحسن وباقي اللاجئين إلا بتوفير حياة آمنة لهم ولأطفالهم وأن تصل أصواتهم للجهات المسئولة لنجدتهم من الوضع السيء الذي يحيون فيه.