تقرير: سلمى نصر الدين
بين قرابة 30 معتقلًا معصوبي الأعين في غرفة بمُعتقل سدى تيمان الإسرائيلي، اختار الجنود مُعتقلاً من غزة وتوجهوا به نحو إحدى الزوايا واعتدوا عليه جنسيًا، وذلك بحسب فيديو نشرته القناة 12 الإسرائيلية أخفت فيه وجه مرتكبي الجريمة. تسبب الاعتداء في إصابة المُعتقل إصابات بالغة نُقل على إثرها إلى المستشفى ليلفظ أنفاسه الأخيرة.
تلك الجريمة ليست الأولى بحق الأسرى/ات والمعتقلين/ات؛ فمنذ الـ 7 من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، سُجلت 30 جريمة عنف وانتهاك جنسي بلغ عدد ضحاياها 110 تقريبًا من النساء والرجال، بينها 22 جريمة سُجلت أثناء الأسر والاحتجاز، عدد الضحايا فيها 86 ضحية، بحسب بيانات منظمة Insecurity Insight (منظمة غير حكومية ترصد الأخطار في مناطق الصراع). كما وثق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان شهادات لعشرات المُعتقلات من غزة، وذكرن أنهن تعرضن للاعتداء الجنسي.
أبرزت الإبادة الجماعية في غزة الانتهاكات الجنسية التي يُمارسها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق المعتقلين والمدنيين؛ إذ انتهج جنود الاحتلال تصوير جرائمهم ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كما زادت حدة ووتيرة الانتهاكات الجنسية ضد الأسرى/ات والمعتقلين/ات والمدنيين الفلسطينيين بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بحسب مدير وحدة الشكاوى بهيئة شؤون الأسرى والمحررين، مؤيد عامر.
اعتقال واختفاء قسري
في صباح يوم 9 من فبراير/ شباط 2024، اقتحم جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي مستشفى الأمل في خان يونس، أحد المستشفيات التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني؛ حيث تتواجد شيماء أبو جياب مرافقة لعدد من أفراد أسرة زوجها الذين يُعالجون داخل المستشفى، في ذلك الوقت أمر جنود الاحتلال الجميع بالخروج بالمستشفى ولم يسمحوا سوى بالمرضى الذين يبلغ عددهم قرابة 100 شخص ومرافقيهم بالتواجد داخل المستشفى.
تقول شيماء –في شهادة نشرتها منظمة بتسليم (تُعرف نفسها بأنها منظمة حقوقية إسرائيلية)-: “بعد اقتحام المستشفى أمر الجنود الرجال بخلع ملابسهم والبقاء بالملابس الداخلية فقط، وأمروا ممرضة بالمستشفى بتفتيش النساء، وطلبوا منهم رفع قمصانهم لأعلى وإنزال البنطلون قليلًا”.
بعد اجتياز التفتيش الجسدي، ذهبت شيماء إلى الغرفة المتواجد بها إخوة زوجها حيث يعالجون، ولكنها فوجئت بعد دقائق بضابط إسرائيلي يُنادي عليها وأمرها بالوقوف خلف مجموعة من مكونة من 10 شباب وربطوا يديها من الخلف بالأصفاد الحديدية.
اُعتقلت شيماء مع 15 شخصًا آخرين دون أي اتهام، تحكي شيماء في شهادتها قائلة: “جاء أحد الضباط وكتب على أيدينا أرقامًا وقال: “كلكم إلى إسرائيل”.
ينص ميثاق جنيف الرابع (وهو جزء من القانون الدولي العُرفي، أي مُلزم لإسرائيل حتى وإن لم تكن موقعة عليه) في البند 119 على أنّّ “يُُمضي السكّّان المحميّّون فترة السّّجن داخل الأراضي المحتلّّة، ويُمنع نقلهم إلى أراضي دولة الاحتلال لأجل سََجنهم”.
نُقلت شيماء في الليل داخل عربة مدرعة، وربطوا قدميها أيضًا بالأصفاد الحديدية وبعدها غطوا أعينهم، سمعت شيماء الجنود يأمرون الشباب بخلع ملابسهم وضربوها على رأسها ورقبتها ببندقية، وضربوا الشباب أيضًا، وقد سمعتهم يصرخون من الألم. نُقلت شيماء ومن معها إلى ناقلة جنود مدرعة أخرى حتى وصلت إلى مبنى تعتقد أنه داخل إسرائيل.
تُكمل شيماء: “وصلنا إلى مكان لا أعرف اسمه، كانت الأرضيّة مبلّطة، أجلسونا في الخارج وكان الطقس باردًا. بعد ذلك أخذونا من هناك إلى مكان آخر، أعتقد أنّه كان في داخل إسرائيل. أنزلونا من ناقلة الجند المدرَّعة وأدخلونا إلى خيمة، كانت الأرض رمليّة، ورأيتُ من تحت العصابة أنّهم فتشوا الشباب، ثمّ أحضروا جنديَّتين قامتا بتفتيشي يدويًّا، دون أن أخلع ملابسي”.
أقرأ أيضًا| هيومن رايتس ووتشتوثق عمليات اعتقال بحق عاملين بالرعاية الصحية في غزة
بعد اقتحام المستشفى أمر الجنود الرجال بخلع ملابسهم والبقاء بالملابس الداخلية فقط، وأمروا ممرضة بالمستشفى بتفتيش النساء، وطلبوا منهم رفع قمصانهم لأعلى وإنزال البنطلون قليلًا
اصطحبها الجنود إلى مكان أخر وهناك أمرتها الجنديات بخلع كامل ملابسها، وأخبروها ألا تقلق فلا يوجد رجال داخل المكان، ولا تعرف شيماء حقيقة الأمر؛ فقد كانت معصوبة العينين.
اُعتقلت شيماء داخل سجن عنتوت، وهناك تعرضت للضرب والسبّ ومنعت من النوم، تقول لم نكن ننام سوى 3 ساعات فقط في الليلة، وفي الأيام الأخيرة منعونا من النوم، كانوا يُشغلون أغاني عربية بصوت عالٍ ويغنون معها، لدرجة شعرت أنني سأصاب بالجنون.
بعد التحقيق معها نُقلت لسجن الدامون، ثم أُعيدت لسجن عنتوت مرة أخرى، وخلال تلك المدة مُنع عنها الاتصال بمحام أو بالصليب الأحمر، تعرضت للتحرش وطُلب منها خلع كامل ملابسها لأجل التفتيش، وخلال التحقيق سألوها عما تعرف عن يوم 7 من أكتوبر، وإذا كان لها أقارب مشاركون في هجمات طوفان الأقصى.
أُفرج عن شيماء 4 من أبريل/ نيسان 2024، بعد قرابة شهرين من الاحتجاز القسري غير القانوني.
10 آلاف معتقل
ما تعرضت له شيماء واجهه آلاف المعتقلين/ات والأسرى، الذين يبلغ عددهم 10 آلاف مُعتقل من الضفة الغربية وغزة، موجودين داخل السجون والمعتقلات الإسرائيلية. ويقول مؤيد عامر، رئيس وحدة الشكاوى في هيئة شؤون الأسرى والمحررين، أنه اُعتقل من غزة وحدها قرابة 15 ألف شخص مدني، منهم 2500 هم من المتواجدين في سجون الاحتلال حاليًا.
يُضيف مؤيد خلال حديثه لـ”المهاجر”: “هناك العديد من الانتهاكات الجنسية التي رصدتها المنظمات الحقوقية، وهي: اغتصاب الجنود للأسرى/ات والمعتقلين/ات والاغتصاب باستخدام الكلاب البوليسية، وكلها حالات مُثبتة بذلك. بالإضافة إلى تعرضهن للتحرش والتهديد بالعنف الجنسي وتعرية الجسد”.
يؤكد أنه قبل 7 من أكتوبر كانت هناك انتهاكات جنسية تحدث ضد المُعتقلين/ات، ولكن زادت وتيرتها وأصبحت ظاهرة منتشرة بشكل كبير.
بحسب البيانات التي جرى تسجيلها من منظمة Insecurity Insight تعرض/ت 102 من أصل 110 ضحايا إلى تعرية الجسد، فيما سُجلت حالة اغتصاب واحدة. وانتشرت العديد من الصور للمعتقلين والمدنيين في مدارس إيواء جرى اقتحامها من جيش الاحتلال وهم عُراة من الملابس ومعصوبو الأعين.
وبحسب الشهادات التي وثقتها منظمة “بتسليم” فإنه يتم ضرب المعتقلين على الأعضاء التناسلية وملامسة أجزاء حساسة من الجسم. وفي حالة المُعتقل الذي نشرت القناة 12 الإسرائيلية فيديو الاعتداء عليه؛ فإن التحقيقات أشارت إلى إقحام أدوات حادة في فتحة الشرج والأعضاء التناسلية.
مُخالفات تستوجب المحاسبة
تُخالف تلك الممارسات القوانين الدولية على رأسها اتفاقية جنيف الرابعة، والتي تنص في البند 119 على: أنّه يُحظر في جميع الأحوال أن تكون العُقوبة وحشيّة أو لا إنسانيّة، أو تعرّض صحّة المعتقل للخطر.
ويُلزم الميثاق إسرائيل بوصفها دولة احتلال، بتوفير ظروف ومُعاملة إنسانيّية للموقوفين ضمن إجراء جنائيّ، ويمنع التعذيب والتسبّب بالمُعاناة، ويكفل الحقّ في تلقّي خدمات طبّية وكذلك الغذاء والماء والملابس.
كما تُخالف اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والمُوقع عليها من دولة الاحتلال الإسرائيلي، والتي تنص في المادة الأولى على أن التعذيب هو: “أى عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديًا كان أم عقليًا، يلحق عمدًا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه هو أو شخص ثالث، أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث، أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب يقوم على التمييز أيًا كان نوعه، أو يحرض أو يوافق عليه، أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية، ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات، أو الذي يكون نتيجة عرضية لها”.
أقرأ أيضًا|ضرب بالعصا والسياط.. آلاف السودانيون يتعرضون للاختفاء القسري
حجج واهية
تدعي دولة الاحتلال الإسرائيلي بأنها تعتقل أفرادًا من جماعة حماس أو مسلحين ممن شاركوا وخططوا لطوفان الأقصى، لكن جميع الحالات التي وثقتها المنظمات الحقوقية ومنها المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، ومنظمة “بتسليم” وInsecurity Insight كانت جميعها لمدنيين.
وفي تحقيق أجرته المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ذكرت أن آلاف الفلسطينيين نُقلوا إلى إسرائيل وسُجنوا بدون تُهمة، ومنهم أطباء وممرضون وصحفيون وعاملون في المجال الإنساني.
وقال المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك: “إن العدد الصاعق من الرجال والنساء والأطفال والأطباء والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان المحتجزين، في ظروف تبعث على الأسى، منذ 7 من تشرين الأول/ أكتوبر، ومعظمهم من دون تهمة أو محاكمة، إلى جانب التقارير التي تشير إلى سوء المعاملة والتعذيب، وانتهاك ضمانات الإجراءات القانونية الواجبة، يثير مخاوف جدية بشأن الطبيعة التعسفية والعقابية لمثل هذه الاعتقالات والاحتجازات”.
بحسب البيانات التي جرى تسجيلها من منظمة Insecurity Insight تعرض/ت 102 من أصل 110 ضحايا إلى تعرية الجسد، فيما سُجلت حالة اغتصاب واحدة.
وبحسب شهادات المعتقلين، تم احتجازهم في مرافق تشبه الأقفاص، وقد جُردوا من ملابسهم لفترات طويلة، وارتدوا الحفاضات فقط. كما تحدّثوا عن تعرّضهم لعصب العينين لفترات طويلة، والصدمات الكهربائية والحرق بالسجائر، وعن حرمانهم من الغذاء والنوم والماء. كما تحدّث الرجال والنساء عن تعرضهم للعنف الجنسي والجنساني.
وأشار إلى أنه في معظم الحالات، “تم احتجاز رجال وفتيان مراهقين، ولكن أيضا تم احتجاز نساء، بمن فيهن امرأة تجاوزت الثمانين من عمرها وتعاني من مرض الزهايمر، وفتيات لا تربطهن أية صلة واضحة بالجماعات المسلحة”.
تقول المحامية الفلسطينية والناشطة الحقوقية، فاطمة عاشور، إن ما يمارسه جيش الاحتلال بحق الأسرى/ات والمعتقلين/ات يعد انتهاكًا لحقوق الإنسان، مما ينص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية جنيف الرابعة.
تضيف فاطمة لـ المهاجر: هناك حالتان للأشخاص الذين تعرضوا للانتهاكات الجنسية، هما: الأولى من تعرض لها داخل المعتقل، وفي تلك الحالة تنطبق عليه اتفاقية جنيف، والثانية هي الانتهاكات التي تمت أثناء الاقتحامات والقصف ضد النازحين والمدنيين، وينطبق عليهم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
تؤكد الناشطة الحقوقية أن المعتقل والأسير يمتلكان حقوقًا، على الاحتلال الالتزام بها، وتُعدد قائلة: يجب ألا يتم إهانته أو ضربه وسبه، وألا تقع عليه أي اعتداءات جنسية أو جسدية، وأن يُسمح لأهله بزيارته، وأن يوكل محامٍ للدفاع عنه، مضيفة أنه تم السماح مؤخرًا بنسبة ضئيلة أن يتواجد محامٍ، لكن تظل كل الحقوق منتهكة.
وعن المحاسبة والمساءلة على تلك الانتهاكات، تشرح “عاشور” أن المختص بالأسرى الفلسطينيين هو الصليب الأحمر، لذا فهو عليه دور في نقل تلك المعاناة، وأن تقوم المنظمات الحقوقية في الضفة الغربية بتوثيق تلك الجرائم والانتهاكات.
وتُضيف: تكون المحاسبة من خلال قيام فلسطين رفع دعوى ضد دولة إسرائيل عبر دولة أخرى، لأن فلسطين ليست دولة كعضو كامل في الأمم المتحدة، أو من خلال مؤسسات حقوقية بجانب الصليب الأحمر ترفع دعوى على دولة إسرائيل حول الانتهاكات التي تقع بحق الأسرى أمام المحكمة المختصة.
وتُشير إلى أن الصور التي ينشرها جنود الاحتلال عن الانتهاكات، هي واحد من الأدلة التي يمكن استخدامها أمام المحكمة لإثبات تورط إسرائيل في تلك الجرائم، ولكنها ليست كافية؛ فيجب الاستماع إلى شهادات الشهود والضحايا والتحقيق مع الجنود والمسؤولين في مراكز الاعتقال.
يؤكد مدير وحدة الشكاوى بهيئة شؤون الأسرى والمحررين، على أنه تم توثيق أغلب الحالات، وآخرها ما تم في سجن سدي تيمان من قبل العديد من المؤسسات العاملة في مجال الأسرى وحقوق الإنسان. وتم مراسلة جميع المؤسسات الدولية والسفارات بالعالم، لإخبارها عن تلك الانتهاكات، ولكن للأسف لم يتم اتخاذ أي إجراء تجاه هذه الحكومة المتطرفة بزعامة نتنياهو ووزير الأمن القومي فيها بن غفير، كونها تتعامل كدولة فوق القانون.
أنتجت هذه المادة بالتعاون بين “مواطن” و”المهاجر“