تقرير: سلمى نصر الدين
“ما في راحة أو نوم.. الغرفة فيها 60 فردًا من النساء والأطفال، إذا فكرنا نتحمم أو ندخل الحمام أو نتوضأ بنروح المستشفى اللي جنب المدرسة.. الموت أفضل من هيك عيشة”، تصف أروى أبو رجيلة، نازحة فلسطينية داخل قطاع غزة، الوضع داخل مدارس إيواء النازحين التابعة للأونروا.
نزحت أروى مع عائلتها الممتدة المكونة من حوالي 20 فردًا بينهم أطفال وكبار في السن من قرية خزاعة وهي قرية في جنوب غزة قريبة من الحدود الإسرائيلية، وذلك بعد ما قرأت على الانترنت أنه على سكان قريتها والمناطق القريبة من الحدود مع دولة الاحتلال الإسرائيلي إخلاء أماكن سكانهم.
وتحركت مع عائلتها إلى مدينة بني سهيلا، لكن الاحتلال وسع من عملياتها وبدأ القصف العشوائي للمنازل في المدينة، والتي تضم مساكنها نساء وأطفال، ما اضطرها للانتقال إلى مدينة خانيونس.
تقول أروى “حكوا لنا روحوا على خانيونس أنه يعتبر وجودنا فيها أكتر أمان وأقل خوف لكن الاحتلال الغاشم استمر بالقصف العشوائي لمنازل المواطنين المدنيين واستهدف أطفال ونساء وكبار السن”.
وصلت أروى إلى منزل أحد أصدقائها في خانيونس ولكن استمرار استهداف الاحتلال لمنازل المدنيين، جعل أسرتها تُقرر الانتقال إلى مدارس إيواء النازحين التابعة لمنظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
توزعت أسرة أروى على مدرستين لإيواء النازحين، “ومن هان بدأت الحياة المأساوية والحياة الأشد ذل والحياة التي لا تطاق”، تصف أروى في حديثها لـ المهاجر الحياة في مدارس إيواء النازحين.
بحسب منظمة الأونروا، فإنه يوجد حوالي 150 مدرسة تابعة لها في غزة، تضم حاليا ما يزيد عن 672 ألف نازح، مشيرة إلى أن كل ملجأ من ملاجئ الأونروا يحمل 4 أضعاف سعته الأساسية، وهو ما يعيق تقديم الخدمات الإغاثية اللازمة للنازحين.
لم يختلف وصف عماد يوسف، نازح داخل مدرسة لإيواء النازحين في غزة، للأوضاع في مدارس الأونروا عن تلك التي وصفتها أروى لنا.
يقول عماد في حديثه لـ المهاجر، “تجربة النزوح كتير صعبة الوضع في مراكز إيواء النازحين في غزة كتير صعب، فكل مدرسة تحمل ما يزيد عن 5 آلاف شخص، بينما سعتها الحقيقية لا تتعدى ألف شخص”.
ويضيف أن المدارس تفتقر لكل مقومات الحياة من طعام ومياه صالحة للشرب وأغطية وأسرة للنوم، إذ ينام الناس في تلك المدارس على الأرض، مؤكدًا على أنها غير مهيأة لاستقبال النازحين باعتبارها مدارس بالأساس.
شح الطعام
منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، قطع الاحتلال عن غزة المياه والكهرباء ومنع دخول المساعدات الإغاثية اللازمة من طعام ومياه شرب وغيرها من الوسائل المنقذة للحياة، كما قصف المخابز وتعنت في دخول المساعدات من مصر عن طريق قصف معبر رفح من الجهة الفلسطينية.
ما وضع غزة على حافة الجوع، ولكن تمكنت مصر من التوصل لاتفاق لدخول المساعدات الغذائية إلى القطاع، وبحسب تمار الرفاعي، المتحدثة باسم الأونروا، فإن المنظمة هي الجهة المسئولة عن توزيع المساعدات داخل القطاع، ومن المفترض بحسب تصريحاتها أن المساعدات توزع داخل المدارس على النازحين.
لكن أروى تقول إن الأكل غير متوفر، وحتى تتمكن من الحصول على رغيف من العيش عليها الوقوف في طابور طويل جدًا يصل الانتظار فيه إلى ساعات وقد لا تتمكن في النهاية من الحصول عليه.
بينما يحصل عماد على وجبة واحدة في اليوم مكونة من خبز وجبنة معلبة محلية الصنع، إلا أنه يُرجع نقص الطعام إلى شُح المساعدات التي تدخل قطاع غزة.
خلال مداخلة هاتفية لتمارا الرفاعي، المتحدثة الإعلامية باسم أونروا، في برنامج “كلمة أخيرة” من تقديم الإعلامية المصرية “لميس الحديدي، إذ قالت إن كل ما يستطيع الناس الحصول عليه هو قطعة من الخبز في اليوم، منوهة إلى شح المساعدات التي تصل القطاع، وموضحة أن ما كان موجودًا في المخزن لم يكن سيكفي لنحو مليون شخص نزحوا من شمال قطاع غزة.
واصفة الأمر بأنه نكبة ثانية دفعت نحو مليون شخص للنزوح من شمال القطاع إلى المناطق الوسطى والجنوبية في خان يونس وما حولها.
الحمام بالدور
وأشارت تمارا في حديثها إلى أنه نحو 52% من المساكن السكنية في غزة تم تدميرها، وأغلب سكان تلك المنازل نازحين في مدارس الأونروا.
وأضافت: أن النازحين في مدارس الأونروا “ينقصهم كل شيء، تنقصهم في المجال الأول المياه النظيفة، يعني هناك أمهات يستغيثون يقولون لنا رجاءً أنا بدي احمي أولادي وهذا شيء طبيعي وبديهي لا تحصل عليه العائلات”.
أكدت أروى أنه لا مياه نظيفة متوفرة في المدارس، إذ يتم تعبئة مياه نظيفة مرة واحدة باليوم، وهو ما لا يكفي جميع النازحين في المدرسة.
كما يعيق الزحام في المدارس وقلة الحمامات التي يمكن استخدامها على الوصول إلى النظافة الشخصية اللازمة، ما يضطر أروى وعائلتها لاستخدام الحمام في مستشفى ناصر الطبي القريب من مدرسة خانيونس الابتدائية التي تأوي أروى وجزء من عائلتها.
وهو ما يحتاجها أن تأخذ دورًا بالساعة حتى تتمكن من الاستحمام، كذلك وضع عماد إذ يقول إنه في حال احتاج لاستحمام فإنه عليه أخذ دورًا.
كما أشار عماد إلى أنه لاحظ بدء ظهور أمراض نتيجة شرب المياه غير الصالحة للشرب، والتي تأتي من خزانات الأونروا، ومن تلك الأمراض التي بدأت في الظهور هي أمراض بالمعدة جرثومة المعدة وبعد الأمراض الأخرى غير المشخصة لعدم وجود رعاية طبية كافية داخل المدارس والقطاع بشكل عام.
وتُرجع المتحدثة باسم الأونروا، نقص المياه النظيفة إلى نقص الوقود، وموضحة أنه منذ بدء العدوان على قطاع غزة لم تصل أي نقطة وقود للمنظمة، فالوقود ضروري جدًا لمحطات الكهرباء والتي تُغذي محطات ضخ وتحلية المياه، لذا لا يوجد مياه صالحة للشرب في كل القطاع.
انعدام المياه والازدحام في مدارس الإيواء، يهدد صحة الفلسطينيين النازحين بداخلها فوفقًا لعماد وأروى فإن النظافة معدومة داخل المدارس.
وهو ما تتخوف منه عدة منظمات دولية على رأسها منظمة الصحة العالمية والأونروا والتي أشارت في تقرير لها إلى الاكتظاظ يسبب مخاوف شديدة بشأن صحة النازحين داخليا وحمايتهم، كما أنه يلحق أضرارا فادحة بصحتهم العقلية.
حياة غير آمنة
ورغم أنه بموجب القانون الدولي يمنع قصف المدارس، لكن مدارس الأونروا والمستشفيات تعرضت للقصف عدة مرات، وهو ما يجعل الحياة بداخلها غير آمنة.
إذ تم الإبلاغ عن وقوع عدة حوادث من الأضرار الجانبية التي لحقت بمباني الأونروا خلال الساعات الاثنتين والسبعين الماضية، ما أسفر عن مقتل شخص واحد وإصابة 28 شخصا بجروح في صفوف النازحين داخليا.
وبسبب غارة بالقرب من مدرسة تابعة للأونروا في خان يونس، والتي تأوي أكثر من 4 آلاف و800 نازح، أصيبت امرأتان (إحداهما حامل) وصبي بجروح ونقلوا إلى المستشفى. وقد تعرضت المدرسة لأضرار جانبية متوسطة.
وسقطت شظايا داخل مدرسة أخرى في خان يونس بسبب غارة قريبة. تأوي المدرسة أكثر من4 آلاف نازح. ولم يبلغ عن وقوع إصابات في صفوف النازحين داخليا.
كما تعرضت مدرسة في المنطقة الوسطى لأضرار جانبية ناجمة عن غارة على مبنى قريب. وقتل أحد المشردين داخليا وجرح 25 آخرون. وتؤوي المدرسة ما يقرب من 14 ألف و400 نازح.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول، قتل 19 نازحا كانوا يحتمون في مباني الأونروا وأصيب 310 آخرون بجروح.
بالإجمال، تضررت 44 منشأة تابعة للأونروا منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول.
كما أن المستشفى التي تلجأ إليها أروى هي واحدة من المستشفيات التي تعرض محيطها للقصف من الاحتلال الإسرائيلي.
يبحث كل من أروى وعماد على مكان آمن من قصف الاحتلال، لكن بحسب المفوض العام لأونروا فيليب لازاريني فإنه لا مكان آمن في غزة اليوم.
