تقرير: سلمى نصر الدين
أنا لاجئ في غابات أولالا في إثيوبيا، قررت الخروج والعودة إلى السودان، هنا في إثيوبيا لا يوجد أي مقومات للحياة لا طعام أو مياه ولا يوجد أمان، نواجه تهديدات يومية، قتل منا قرابة 4 أو 5 أشخاص وأصيب ما يزيد عن 25 لاجئ، نحن الآن في طريقنا إلى السودان، ولا نعرف ما ذا سيحدث إذا كنا سنموت أو نُقتل خلال الطريق، هكذا تحدث اللاجئ السوداني في إثيوبيا، آدم، في فيديو حصل عليه المهاجر، من اللاجئين السودانيين في إثيوبيا.
آدم واحد ضمن 37 ألف و124 لاجئًا سودانيًا اتجهوا إلى إثيوبيا، بحسب مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين، فرارا من الحرب في السودان التي اشتعلت نيرانها في 15 أبريل/ نيسان 2023، وضمن 6 آلاف لاجئ حاصرتهم السلطات الإثيوبية في غابات إقليم أمهرا، لرفضهم الانتهاكات الإنسانية التي واجهوها في معسكري أولالا وكومر، حيث تستضيف إثيوبيا اللاجئين.
لا أمان أو طعام في معسكرات اللاجئين
في 1 مايو/ أيار قرر قرابة 6 آلاف لاجئ سوداني يُقيمون في معسكري أولالا وكومر في إقليم أمهرا بإثيوبيا الخروج باتجاه مقر مفوضية اللاجئين؛ لتقديم مطالبهم بتحسين الوضع المعيشي في المعسكرين، في أثناء تواجههم حاصرتهم القوات الإثيوبية داخل إحدى غابات أمهرا ورفضت فك الحصار إلا في حال قبول اللاجئين العودة إلى مخيمات اللجوء، لكن اللاجئون رفضوا العودة وحُصروا داخل الغابة لمدة 100 يوم.
يقول حسن شمعون، لاجئ سوداني ويعمل في تنسيقة اللاجئين السودانيين العالقين في غابات أمهرة، إن اللاجئين السودانيين يُعانون في معسكرات اللجوء من انعدام الأمن في المقام الأول، بسبب وجود ميليشيا مسلحة وحاملي سلاح غير نظاميين، وبسبب ذلك تتزايد عدد انتهاكات السطو المسلح والعديد من الجرائم على رأسها القتل والاغتصاب.
وثقت منظمة Insecurity Insight (منظمة غير حكومية ترصد الأخطار في مناطق الصراع) جريمتي اغتصاب ضد 6 فتيات في شهر فبراير/ شباط 2024 في معسكر كومر للاجئين، بالإضافة إلى سرقة خيام للاجئين وعربة إسعاف من جماعات مسلحة مجهولة الهوية.
وأكد حسن على صحة تلك الجرائم قائلًا: إن خطر نهب المخيمات كان متكررًا وفي أحد المرات اقتُحمت خيمة للاجئين وأُخرج ساكنيها قسرًا تحت تهديد السلاح، وكل من يحاول المعارضة أو المقاومة يواجه خطر القتل.
يُضيف: أن مقومات الحياة في المعسكر كانت شديدة الصعوبة، شارحًا تقع مسئولية الغذاء على عاتق برنامج الأغذية العالمي (WFP) بالتعاون مع الحكومة الإثيوبية ممثلة في منظمة اللاجئين الإثيوبية (RRS) وتُشرف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على عمليات توزيع الطعام.
يحصل اللاجئ الواحد على مساعدة لمدة شهر واحد تتضمن: 10 كيلوجرام من القمح، 1 رطل من زيت الطعام، 900 جرامًا من العدس، 1 كيلو من الدقيق المخلوط، ملعقتين من ملح الطعام، وفقًا لحديث حسن.
أما عن توافر المياه، يؤكد حسن أن عدد خزانات المياه في المعسكر لا تكفي احتياجات اللاجئين للاستهلاك اليومي، وعاشوا معاناة مع صفوف وطوابير المياه، كما تفاقم الوضع الصحي داخل المعسكر بعد ما انتشرت موجات من الكوليرا بين صفوف اللاجئين العام الماضي، واللقى الكثير حتفه بسببها.
أما بالنسبة للعيادات الداخلية بالمعسكرات فكانت خالية من الدواء ولا يوجد فيها سوى المسكن ومضاد حيوي كان يصرف من قبل خبير تغذية وكانوا يحضرون الدواء مع والوفود الزائرة وعند مغادرتها يأخذون جميع الأدوية التي احضروها قبل الزيارة.
اتفق حديث حسن مع شهادات 4 لاجئين آخرين تحدثوا إلى المهاجر عن الأوضاع الإنسانية في مخيمات اللجوء في دولة إثيوبيا
الخروج من المعسكر
دفعت الظروف السابقة اللاجئين إلى تقديم شكاوى لمفوضية الأمم المتحدة للاجئين والمنظمة الإثيوبية للاجئين، تحدثوا عن الانتهاكات التي تطالهم وطالبوا بإجلائهم إلى مكان آخر خارج دولة إثيوبيا أو إعادتهم إلى السودان.
وفي يوم 16 أبريل/ نيسان 2024، أصدرت تنسقية اللاجئين السودانيين في إقليم أمهرة بيانًا، قالت فيه: إنه في حال عدم الاستجابة لمطالبهم سيتوجهون إلى مبنى مفوضية اللاجئين في مدينة قندر سيرًا على الأقدام.
انتظر اللاجئين أسبوعين، دون رد من المفوضية أو السلطات الإثيوبية، فتحركوا خارج المعسكر يوم 1مايو/ أيار، ولكن بعد مسافة ثلاثة كيلومترات خارج المعسكر وداخل واحدة من غابات أمهرة حاصرتهم السلطات الإثيوبية، ومنعتهم من الحركة، ومنعت المنظمات الأممية والإغاثية من التواصل معهم.
بحسب تنسقية اللاجئين السودانيين فإن عدد اللاجئين الذين حُصروا داخل الغابة 6 آلاف و80 لاجئًا، من ضمنهم: ألفان و133 طفلًا و1 ألف و17 سيدة، و1 ألف و719، و1 ألف و135 مريضًا، و76 حالة ذوي إعاقة. بينما تقول السلطات الإثيوبية أن عدد اللاجئين قرابة 1000 لاجئ فقط.
انتهاكات مستمرة
حُوصر اللاجئون داخل الغابة لمدة 100 يومًا، مورست ضدهم انتهاكات عدة، يُعدد حسن الممارسات التي تنتهجها الحكومة الإثيوبية ضد اللاجئين قائلًا: مارست الحكومة الاثيوبية المتمثلة في هيئة اللاجئين الإثيوبية أسلوب التهديد أثناء الاجتماعات التي تمت بين اللاجئين والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين قالت بأنه إذا لم يعود اللاجئون إلى المخيمات ستستخدم القوة وتجبرهم على العودة.
كما قطعت الحكومة جميع الإمدادات الغذائية والصحية وحتى مياه الشرب لوصولها إلى اللاجئين، سواء كان عبر المنظمات الإنسانية والخيرية وحتى من أهالي القرى المجاورة لمكان الاحتجاز داخل الغابة.
يؤكد حسن أن “الحكومة الإثيوبية تستخدم المياه كوسيلة للضغط على اللاجئين، إذ تقوم بطرح الماء على الأرض بدل أن تدعنا نشربه؟؟ أين الإنسانية في هذا؟؟.”
ومنعت الحكومة جميع الجهات المسؤولة سواء المانحين أو الصليب الأحمر وحتى الجهات الإعلامية لمعرفة الحقائق وما يجري في أرض الواقع.
وذكرت تنسقية اللاجئين في بيان لها أن 48 لاجئًا من المحاصرين في الغابة اختطفتهم جهات مسلحة غير معروفة وطلبت فدية تتجاوز 2500 دولار لكل مختطف.
تهديد بالقوة
لم تُمارس فقط الحكومة الإثيوبية الانتهاكات بحق اللاجئين، بل هدد ممثل مفوضية الأمم المتحدة اللاجئين باستخدام القوة إذا لم يلتزموا بالأوامر الصادرة.
في فيديو حصل عليه المهاجر من عمر (اسم مستعار) أحد اللاجئين السودانيين في إثيوبيا (تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية)، وقف ممثل مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، يوم 20 يوليو/ تموز 2024، مُطالبًا اللاجئين بالخروج من الغابة والتوجه إلى معسكر أفتت الجديد، الذي أقمته المفوضية بالقرب من الحدود السودانية.
وأضاف: إنه في حالة رفض اللاجئين تنفيذ الأوامر ستحملهم المفوضية بالقوة إلى الحافلة والتوجه بهم نحو المعسكر.
في الفيديو ذاته تحدث ممثل للسلطة الإثيوبية إلى اللاجئين مُهددًا إياهم أنه من حق الدولة الإثيوبية استخدام القوة ضد اللاجئين الذين لا ينصعون للأوامر.
- فيديو تهديد ممثل مفوضية اللاجئين- المصدر: أحد اللاجئين السودانيين في إثيوبيا
بعد ساعات من تهديد ممثل مفوضية اللاجئين وممثل الحكومة الإثيوبية، هاجمت جماعات مسلحة اللاجئين وأطلقت النيران باتجاههم، لم يستطع اللاجئين تحديد هوية منفذ الهجوم لأنه تم في الليل، بحسب حديث عمر.
نتج عن الهجوم مقتل شخصين وإصابة 16 آخرين، وفي يوم 25 يوليو/ تموز -وأثناء التواصل مع عمر- أخبرنا في رسالة نصية عبر برنامج التواصل الاجتماعي واتساب، تكرار الهجوم على اللاجئين للمرة الثانية.
لكن في تلك المرة استخدموا أسلوبًا جديدًا في الهجوم تمثل في: إطلاق الأعيرة النارية في الهواء وداخل أكواخ اللاجئين وضربهم بالعصي ومؤخرة السلاح ونهب ممتلكاتهم؛ ما آثار الرعب والذعر لدى النساء والأطفال، وأصيب أكثر من 15 شخصًا إصابات متفاوتة الخطورة، وتعرضت 7 نساء لحالات إغماء، وسقوط إحدى النساء الحوامل.
2 أغسطس/آب 2024، تكررت الهجمات على اللاجئين المحاصرين في الغابة، أسفرت عن 6 إصابات وصفتها تنسقية اللاجئين في بيان لها بأنها خطيرة.
العودة إلى السودان
استمرار الانتهاكات والهجمات المتكررة، وتدهور الحالة الصحية والنفسية للاجئين، واستمرار مفوضية اللاجئين والسلطات الإثيوبية في تجاهل المطالب، دفع اللاجئين في الخروج من إثيوبيا والعودة إلى السودان.
في صباح يوم الخميس 8 أغسطس/آب، وبعد 100 يوم قضاها اللاجئون وسط الأدغال، قرروا العودة باتجاه وطنهم السودان سيرًا على الأقدام.
- فيديو لتحرك اللاجئين باتجاه الحدود الإثيوبية- السودانية (اليوم الأول)- المصدر: اللاجئ سوداني في إثيوبيا
انتهاك للنصوص القانونية
يُعلق المحامي وعضو محامو الطوارئ (مبادرة سودانية توثق انتهاكات الحرب في السودان) محمد صلاح بناوي، على التهديدات التي تلقها اللاجئين من الحكومة الإثيوبية ومفوضية اللاجئين قائلًا: إنه استنادًا إلى النصوص القانونية والاتفاقيات الدولية ومنها: القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان والاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1951 والبرتوكول الملحق بها لعام 1967 (النصوص الرئيسية التي تُنظم حقوق اللاجئين وواجبات الدول اتجاههم) لا يمكن إجبار اللاجئين على العودة إلى أوضاع تهدد حياتهم أو حريتهم اعمالا ل(مبدأ عدم الإعادة القسرية).و يعتبر استخدام القوة ضد اللاجئين انتهاكًا واضحا وصريحا لهذا المبدأ.
ويضيف: أيضًا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 والذي ينص على حق الأفراد في الحياة، وعدم التعرض للتعذيب أو المعاملة القاسية أو اللا إنسانية. مؤكدًا على أن أي استخدام غير مشروع للقوة من قبل الدولة يمكن اعتباره انتهاكًا لهذه النصوص.
آليات المحاسبة والمسائلة
وعن آليات مُحاسبة الدولة الإثيوبية عن الانتهاكات التي طالت اللاجئين، يشرح بناوي قائلًا: يمكن أن تكون المحاسبة من المحكمة الجنائية الدولية، وذلك في حال استخدمت الحكومة الإثيوبية القوة المفرطة من الحكومة الإثيوبية، والذي يُمكن اعتباره جريمة ضد الإنسانية أو جريمة حرب (بناءً على سياق الهجمات ضد اللاجئين).
يستكمل عضو محامو الطوارئ قائلًا: ويمكن تقديم شكاوى لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشأن الانتهاكات المرتكبة من الحكومة الإثيوبية، والذي يمكنه إنشاء لجان تحقيق خاصة أو دعوة الحكومة الإثيوبية للتعاون في التحقيقات.
ويوضح تستطيع مفوضية اللاجئين الضغط على الحكومة الإثيوبية لفتح تحقيق داخلي أو إجراء تحقيق دولي مستقل، ويُمكنها استخدام نتائج هذا التحقيق للمطالبة بمحاسبة المسؤولين.
أما فيما يتعلق بممثل المفوضية، يقول بناوي إن المسئولية المهنية لموظفي الأمم المتحدة تستند إلى مدونة قواعد السلوك لموظفي الأمم المتحدة، والتي تتضمن معايير سلوك يجب على جميع الموظفين الالتزام بها.
يؤكد على أن التصريحات أو التهديدات باستخدام القوة تتعارض مع مبدأ الحياد وعدم الانحياز. وبذلك يمكن التقدم بشكوى إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة تطالب بالتحقيق في سلوك ممثل المفوضية. وبناءً على نتائج التحقيق، يمكن أن يتعرض الموظف للإجراءات التأديبية، التي قد تشمل الفصل من العمل أو الملاحقة القانونية.
يُشير بناوي إلى ألية أخرى يمكن بها الإبلاغ عن تهديدات ممثل مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، وهي التقدم بشكوى رسمية إلى المفوض السامي لشئون اللاجئين الذي يمكنه إصدار تحقيق داخلي. إذا ثبتت الإدانة، يمكن اتخاذ إجراءات تأديبية ضد الممثل.
ويمكن أيضًا تقديم شكوى إلى الأجهزة الرقابية للأمم المتحدة، مثل مكتب خدمات الرقابة الداخلية (OIOS) أو مكتب الأخلاقيات، للتحقيق في السلوك غير المهني.
ينوه المحامي وعضو مبادرة محامو الطوارئ إلى ضرورة توثيق جميع الانتهاكات والأدلة المتعلقة بها، والتعاون مع منظمات حقوق الإنسان والمحامين الدوليين لضمان اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة ضد المتورطين في هذه الانتهاكات.
إعادة التوطين أمر معقد
كانت مطالبات اللاجئين للمفوضية النقل إلى دولة أخرى أكثر أمانًا من إثيوبيا، وهو ما يُعرف بإعادة التوطين، وعن عدم اعتماد المفوضية لهذا المطلب، يوضح عضو مبادرة محامو الطوارئ محمد صلاح بناوي، الأسباب التي تمنع من إعادة توطين اللاجئين السودانيين قائلًا: في تقديري فإن عدم إعادة توطين السودانيين في دول أكثر أمانًا يمكن أن يكون له عدة أسباب، تتعلق بالسياسات الدولية، الأوضاع السياسية في السودان، والقدرة الاستيعابية للدول المضيفة وفقا للأسباب الاتية:
1- السياسات الدولية والقيود: حيث ان دول كثيرة تحدد عدد اللاجئين الذين تستقبلهم بناءً على سياسات داخلية ومعايير محددة، مثل أولويات الأمن القومي، العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأصلية، والتوازن الاقتصادي.
2- قدرة استيعاب الدول: حيث ان عدد اللاجئين حول العالم كبير، والدول التي تقبل إعادة التوطين لديها حدود سنوية لقدرتها على استيعاب اللاجئين. الأولوية قد تُعطى لحالات معينة مثل اللاجئين من مناطق النزاع المباشر أو الحالات الإنسانية العاجلة.
3- الحل الإقليمي: حيث انه أحيانًا، يُفضل المجتمع الدولي إيجاد حلول إقليمية، حيث يتم تشجيع الدول المجاورة على استيعاب اللاجئين لتسهيل عودتهم الطوعية عند تحسن الأوضاع.
4- الوضع السياسي في السودان: يمكن أن تكون هناك آمال أو جهود دبلوماسية للتوصل إلى حلول سياسية داخل السودان تسمح بعودة اللاجئين إلى بلادهم بدلاً من إعادة توطينهم في دول أخرى.
5- التمييز وعدم المساواة: قد يكون هناك تأثيرات من تمييز غير معلن أو تفضيلات معينة في السياسات التي تؤثر على فرص إعادة توطين بعض الجنسيات مقارنة بغيرها.
ويختم حديثه قائلًا: إن إعادة التوطين قرار معقد يتأثر بمجموعة من العوامل السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية، بالإضافة إلى الأولويات التي تحددها الدول والمنظمات الدولية.
لا يعرف اللاجئون أسباب تعنت السلطات الإثيوبية ضدهم وإصرارها على استمرار الانتهاكات، ولكنهم يُحملون المنظمات الأممية ومفوضية اللاجئين مسئولية سلامتهم وأمنهم.