خارج سور المدرسة.. تقليص مساعدات اللاجئين السوريين في الأردن يدفع الطلاب لسوق العمل
تقرير: ندى شحادة
“ندمي كبير لتركي المدرسة، لكن لم يكن أمامي حل آخر سوى العمل حتى أتمكن من مساعدة أهلي في المصروف، والآن بعد توقف المساعدات اضطر أخي ضياء للعمل هو الآخر وترك المدرسة”.. يشرح محمد دعاس بأسى سبب توقفه هو وشقيقه ضياء عن الذهاب للمدرسة واتجاههما نحو سوق العمل.
وصل محمد (15 عامًا) إلى الأردن قبل 11 عامًا، بعدما فقد والده جراء الحرب الدائرة في سوريا، ووجد نفسه مسؤولاً عن والدته وشقيقيه الصغيرين (ضياء 14 سنة) و(براء 11 سنة)، وبعدما انقطعت مساعدات المفوضية للعائلة (150 دولارًا) اضطر للعمل، وبعدما خفضت منظمة الأغذية والزراعة “فاو” قيمة المساعدات المقدمة للاجئين في الأردن، اضطر شقيقه ضياء (14 عامًا) للعمل هو الآخر وترك المدرسة، لمساعدته في تلبية احتياجات أسرتهما.
وقد خفضت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن المساعدات التي تقدمها للاجئين السوريين، وأعداد اللاجئين الحاصلين على المساعدات وفقًا للمفوضية، يحصل 44 ألف لاجئ سوري الآن على مساعدات نقدية من المفوضية، منخفضة من 150 ألف لاجئ سبتمبر 2021.
وغيرت المفوضية آلية توزيع المساعدات ليُصبح ربع سنوي؛ بحيث يُقيم وضع العائلات كل 3 أشهر وتحديد من سيتم إدراجه لهذه المساعدة بعد انتهاء كل ربع من السنة، وبالتالي ستتغير قائمة الحاصلين على المساعدات النقدية كل 3 أشهر؛ فوجود اسم العائلة في الربع الأول من السنة لا يعني بالضرورة أن تحصل على المساعدة في الربع الثاني، ويعتمد إدراج العائلات على تقييم الأسر الأشد احتياجًا لهذه المساعدة، وفقًا لتقييم المفوضية.
بخلاف المفوضية، أوقفت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، المساعدات النقدية الشهرية لــ 50 ألف لاجئ سوري يعيشون خارج المخيمات، كما خُفضت المساعدات بمقدار الثلث للاجئين خارج المخيمات وعددهم 346 ألفًا، واللاجئين داخل المخيمات وعددهم 120 ألفًا.
وفقًا للناطق الرسمي باسم مفوضية اللاجئين في الأردن رولاند شونباور، تعتمد قيمة المساعدة المقدمة للاجئين على حجم الأسرة؛ فمتوسط المساعدة التي تحصل عليها أي عائلة خارج المخيمات 125 دينارًا أردنيًا شهريًا (170 دولارًا)، بينما تتلقى الأسر في مخيم الزعتري أو الأزرق متوسط 45 دينارًا أردنيًا (64 دولارًا) كل 3 أشهر، تزيد حال وجود أطفال دون سن الـــ 12، أو نساء في سن الإنجاب، ويؤخذ في الاعتبار احتياجاتهم من الحفاضات والمواد الصحية.
يعمل محمد داخل محل خضروات منذ 6 سنوات بشكل “غير رسمي” مقابل 6 دنانير (8.5 دولار) يحصل عليها بعد 8 ساعات عمل متواصلة، بينما يمارس ضياء مهنة أكثر مشقة داخل محل حدادة لمدة 8 ساعات شاقة بدنيًا ونفسيًا مقابل 11 دينارًا يوميًا (15 دولارًا)، ويحاول الطفلان توفير احتياجات العائلة التي تقطن في منطقة البلدية في الجبيهة البالغة 160 دينارًا شهريًا (228 دولارًا).
حصلت الأسرة على مساعدات نقدية من المفوضية لأكثر من عامين بإجمالي 180 دينارًا أردنيًا (254 دولارًا)، تسدد الأسرة 150 دينارًا (212 دولارًا) إيجارًا شهريًا للمنزل، إضافة إلى 40 دينارًا (57 دولارًا) لسداد فواتير الكهرباء والماء والإنترنت، بخلاف ما يحتاجونه من طعام ودواء وكسوة غيرها، وأمام ارتفاع مستوى التضخم وتقليص المساعدات بات جميع اللاجئين السوريين في وضع حرج.
انتهاك القانون
يجرم قانون العمل الأردني تشغيل الأطفال تحت سن 16 عامًا، يقول الناطق الإعلامي باسم وزارة العمل محمد الزيود: “إن المادة 73 من قانون العمل تنص على أنه “لا يجوز بأي حال تشغيل الحدث الذي لم يكمل السادسة عشرة من عمره بأي صورة من الصور”، وتنص المادة 74 أنه “لا يجوز تشغيل الحدث الذي لم يكمل الثامنة عشرة من عمره في الأعمال الخطرة أو المرهقة أو المضرة بالصحة، وتحدد هذه الأعمال بقرارات يصدرها الوزير بعد استطلاع آراء الجهات الرسمية المختصة”.
وأضاف “الزيود” أن المادة 75 تحظر تشغيل الحدث أكثر من 6 ساعات في اليوم الواحد، على أن يعطى فترة للراحة لا تقل عن ساعة واحدة بعد عمل أربع ساعات متصلة، كما يحظر تشغيله بين الساعة الـ8 مساء والـ6 صباحًا، وفي أيام الأعياد الدينية والعطل الرسمية وأيام العطلة الأسبوعية.
وأكد أنه وفق المادة 76 ينبغي على صاحب العمل قبل تشغيل أي حدث أن يطلب منه أو من وليه تقديم: صورة مصدقة عن شهادة الميلاد، شهادة بلياقة الحدث الصحية للعمل المطلوب صادرة عن طبيب مختص ومصدقة من وزارة الصحة، ويشترط أيضًا موافقة ولي أمر الحدث الخطية على العمل في المؤسسة، وتحفظ هذه المستندات في ملف خاص للحدث مع بيانات كافية عن محل إقامته وتاريخ استخدامه والعمل الذي استخدم فيه وأجره وإجازته.
ووفقًا لحديث “الزيود” فإن عمل محمد (15عامًا) وشقيقه ضياء (14 عامًا) يخالف قانون العمل الأردني.
الحاجة المالية أولاً
تعرف الخبيرة الاجتماعية والتربوية لمى الحرباوي، التسرب المدرسي بأنه انقطاع الطالب أو الطالبة عن الدراسة عامًا دراسيًا فأكثر، وترجع الظاهرة إلى أسباب رئيسة؛ أهمها الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه اللاجئون السوريون داخل الأردن؛ فحاجة العائلات للمال تدفع كثيرًا من الطلبة لترك المدرسة والتوجه لسوق العمل، لتأمين لقمة العيش لعائلاتهم.
تضيف الحرباوي، خلال حديثها مع “مواطن”، أن سوء الأوضاع الاقتصادية يدفع بكثير من الأهالي لاستغلال أبنائهم في العمل عوضًا عن التعليم، علاوة على أن كثيرًا من المهن المتاحة أمام اللاجئين لا تتناسب مع قدراتهم الجسدية والعمرية.
نصف طلاب الثانوية متسربون
يدرس 155 ألف طالب سوري في المدارس الأردنية، بحسب وزارة التربية والتعليم، ولم يتوفر لدى الوزارة إحصائية حديثة حول نسب تسرب أطفال اللاجئين السوريين من التعليم داخل الأردن.
وذكرت يونيسف في تقريرها الصادر 2020، بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم الأردنية، أن معظم الأطفال غير الملتحقين بالتعليم داخل الأردن هم من غير الأردنيين، بما في ذلك 50 ألف طالب سوري، والطلاب أكثر عرضة للتسرب من التعليم عن الفتيات.
يؤكد التقرير أن واحدًا من كل 5 طلاب من اللاجئين السوريين في المرحلة الابتدائية متسرب من التعليم، مقابل 4 متسربين من بين كل 10 طلاب في المرحلة الثانوية لكلا الجنسين.
الحق في التعليم
تضمن اتفاقية جنيف حول حقوق اللاجئين 1951، والبروتوكول الملحق بها حق أطفال اللاجئين في التعليم الأساسي، وتضمن المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 الحق في التعليم للجميع، وضمنت الأمم المتحدة الحق في التعليم في عدة اتفاقيات دولية، بينها المعاهدة الدولية حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، معاهدة حقوق الطفل، معاهدة اليونيسكو ضد التمييز العنصري في التعليم.
مستقبل غامض
يقول الدكتور قيس المؤمني، مسؤول برامج التعليم في مؤسسة “إنقاذ الطفل”: “إن التسرب المدرسي يفقد الطلاب السوريين من اللاجئين فرص الوصول إلى التعليم المناسب؛ ما يؤثر على تطوير مهاراتهم وفرص حياتهم المستقبلية، مشيرًا إلى أن تسرب الطلاب يؤدي إلى زيادة معدلات الفقر المعرفي بين اللاجئين؛ حيث يفتقرون إلى الفهم الجيد للمفاهيم الأساسية والمهارات الضرورية للمشاركة في سوق العمل”.
يضيف المؤمني، خلال حديثه مع “مواطن”، أنه كلما زادت الفجوة التعليمية بينهم وبين أقرانهم في الدول المضيفة؛ فإنه يؤثر على فرصهم في المستقبل، علاوة على ما قد يواجهونه من صعوبات في التكيف مع بيئة تعليمية جديدة، بما في ذلك صعوبات التواصل اللغوي والثقافي، مطالبًا بضرورة الوقوف على الأسباب الحقيقية وراء ظاهرة التسرب وتوفير الدعم المادي والمعنوي والنفسي للطلبة المتسربين وعائلاتهم، وعمل حملات توعية تشمل المجتمعات المضيفة حول مخاطر التسرب على الفرد والمجتمع.
تراجع التمويل
وقد انخفض حجم تمويل مفوضية اللاجئين المخصصة للأردن، خلال 2024، بقرابة 15 مليون دينار، أي بنسبة 3.93%، في ظل تلويح المنظمة الأممية بوقف أو تقليص تدخلاتها في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وخصصت المفوضية للأردن 374 مليونًا و786 ألف دولار تقريبًا خلال 2024، مقابل 390 مليونًا و110 ملايين دولار خلال 2023، بانخفاض قدره 15 مليون دولار تقريبًا. وحصل مكتب المفوضية بالأردن على 43% فقط من متطلباته للسنة المالية 2023، حتى منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2023.
خفض المساعدات مجددًا
ومن المقرر أن تخفض المفوضية قيمة الدعم النقدي للاجئين السوريين المٌقيمين خارج المخيمات مجددًا، اعتبارًا من شهر مايو/أيار الحالي، بسبب انخفاض الدعم المقدم من الجهات المانحة، وهو ما يضع عبئًا إضافيًا على اللاجئين السوريين؛ ما يهدد بزيادة نسب المتسربين من الدراسة داخل الأردن.
وفقًا لحديث الناطق الرسمي باسم مفوضية اللاجئين في الأردن رولاند شونباور مع “مواطن”، يوجد 640 ألف لاجئ سوري مسجل لدى المفوضية يعيشون خارج المخيمات، و120 ألفًا يعيشون داخل مخيمي الأزرق والزعتري، بينما يعيش في الأردن قرابة 1.4 مليون سوري.
وقد حذّرت المفوضية أغسطس الماضي، من تحول وضع اللاجئين في الأردن إلى أزمة إنسانية في غضون أشهر، إذا لم يتوافر التمويل بشكل عاجل.
زيادة الدعم ضرورة
يؤكد المحلل الاقتصادي أحمد عوش، أن تخفيض الدعم المقدم للاجئين السوريين لا يزال مستمرًا، وله أثر سلبي على السوريين داخل الأردن؛ فيدفع الأطفال للعمل بدلاً عن الدراسة لتوفير احتياجات أسرهم، لافتًا إلى أن الدعم النقدي المقدم لا يتناسب مع معدلات التضخم داخل الأردن؛ خاصة وأن أسعار السلع في تزايد مستمر.
من جانبه طالب الدكتور قيس المؤمني، مسؤول برامج التعليم في مؤسسة “إنقاذ الطفل”، بتعزيز فرص تعليمية متاحة وميسرة للطلاب السوريين اللاجئين، وتوفير بيئة تعليمية جيدة للطلاب اللاجئين، بما في ذلك المناهج التعليمية الملائمة والموارد التعليمية الكافية، وتشجيع الاندماج الاجتماعي من خلال توفير فرص للمشاركة في الأنشطة المدرسية والاجتماعية والثقافية، مشددًا على ضرورة تكاتف المجتمع الدولي للعمل معًا لمواجهة تحدي تسرب الطلاب السوريين اللاجئين.
عقوبة
وعن زيادة ظاهرة عمل أطفال اللاجئين السوريين، يقول الناطق الإعلامي باسم وزارة العمل محمد الزيود: لدى الوزارة آلية للتبليغ عن حالات عمالة الأطفال من خلال رابط إلكتروني على موقع الوزارة عبر بوابة التفتيش، يعمل بالتنسيق والتعاون بين وزارات العمل والتنمية الاجتماعية والتربية والتعليم.
وعن عقوبات تشغيل الأطفال، يقول الزيود: “إن المادة 77 من قانون العمل حددت عقوبة مخالفة لتشغيل الأطفال، ونصت على “يعاقب صاحب العمل أو مدير المؤسسة في حال ارتكابه أية مخالفة لأي حكم من أحكام هذا الفصل، أو أي نظام أو قرار صادر بمقتضاه بغرامة لا تقل عن 300 دينار، ولا تزيد على 500 دينار، ولا يجوز للمحكمة تخفيض العقوبة عن حدها الأدنى أو الأخذ بالأسباب المخففة التقديرية”.
وتابع: إضافة إلى أي عقوبة ورد النص عليها في التشريعات النافذة يعاقب صاحب العمل لأي مخالفة يرتكبها باستخدام أي عامل بصورة جبرية أو تحت التهديد أو بالاحتيال أو بالإكراه، بما في ذلك حجز وثيقة سفره، بغرامة لا تقل عن 500 دينار ولا تزيد على 1000 دينار، ويعاقب بالعقوبة ذاتها الشريك والمحرض والمتدخل في هذا الاستخدام، وتضاعف الغرامات المنصوص عليها في حالة التكرار.
تبين المديرة التنفيذية لمركز العدل للمساعدة القانونية، هديل عبدالعزيز، أن أغلب اللاجئين يواجهون صعوبة في الحصول على عمل بسبب إجراءات تصاريح العمل والمهن المغلقة أمامهم، مما كان يجعلهم يعتمدون على المساعدات من المفوضية بشكل رئيس، وبذهاب مساعدات المفوضية تبدأ المشاكل أمام تلك العائلات، ومن أهم تبعاته تسرب الأطفال من المدرسة والاتجاه نحو سوق العمل.
تلفت هديل، خلال حديثها مع “مواطن”، إلى أن كثيرًا من العائلات السورية تعيلها سيدات، ولا تمتلك أغلبهن المؤهلات الكافية للعمل، وتقليل المساعدات تزيد من ديونهم وتجعلهم عرضة للاستغلال والتسرب المدرسي لأطفالهم، من أجل البحث عن لقمة العيش.
وترى الخبيرة الاجتماعية والتربوية لمى الحرباوي، أن التسرب المدرسي له تبعات كارثية؛ فيصبح الطفل ضحية سهلة لذوي النفوس الضعيفة، أو يتم التلاعب بشخصيته وتشكيلها على مبادئ غير صحيحة ولا أخلاقية، تجعلهم فريسة سهلة للوقوع في فخ الجريمة، لافتة إلى أن ابتعاد الأطفال عن الأجواء المدرسية تجعلهم محصورين في بيئة منغلقة بعيدة عن المجتمع لا تتقبل الأطراف الأخرى؛ فالدراسة لا تقتصر على المعلومات فقط؛ وإنما هي الطريق للتخلص من الجهل الاجتماعي.
أمام ارتفاع معدلات التضخم وموجة تخفيض المساعدات من مفوضية شؤون اللاجئين ومنظمة الغذاء، يجد محمد وشقيقه ضياء، ومئات الآلاف من أطفال اللاجئين السوريين في الأردن، أنفسهم أمام تحديات جديدة؛ بين رغبتهم في استكمال تعليمهم وحاجة أسرهم إلى الدينارات القليلة التي يتقاضونها عن بضع ساعات من العمل، علها تسد رمقهم وتلبي احتياجاتهم الأساسية.
أنتجت تلك القصة بالتعاون مع موقع مواطن وبدعم من مركز التوجيه ودعم المبادرات الإعلامية الناشئة بالتعاون مع شبكة الصحافيين الدوليين والمركز الدولي للصحافيين