تحقيق: إيهاب زيدان
يعيش 9 ملايين و12 ألف مهاجر/ة في مصر نصفهم تقريبا من النساء (49.6%) وفقا لإحصائيات منظمة الهجرة الدولية، أغسطس 2022، يعاني أغلبهم/ن من عدم الحصول على الخدمات الصحية والرعاية الطبية اللازمة، وقد تفاقم الوضع مع انتشار جائحة كورونا خلال السنوات الثلاثة الماضية ومازال الوضع يزداد سوءا حتى اليوم، وفقا لشهادة لطيفة دغمان مديرة مؤسسة بكرة أحلى للتنمية.
حنين (43 عاما) لاجئة سورية تُقيم في مصر منذ 7 سنوات تقريبا، عندما أصيبت بفيروس كورونا في مايو 2020، امتنع مستشفيان خّاصان عن علاجها، إذ طالبتها إدارة المستشفيين بوضع مبلغ تحت الحساب قبل توقيع الكشف الطبي عليها. فالعلاج من كورونا في المشافي الخاصة يكلف آلاف الجنيهات عن كل ليلة، ما دفع حنين إلى التوجه لمستشفى حميات إمبابة وهو مشفى حكومي.
“لكن لسوء حظي كان قسم الاستقبال في المستشفى مزدحم جدا، وبعد فحصي وتأكد إصابتي بكورونا لم يكن لي مكان في المستشفى لعزلي داخله، فأعطاني الطبيب بروتوكول العلاج، ونصحني بعزل نفسي داخل منزلي.. اقترضت بعض الأموال كي أتمكن من شراء الأدوية، واستدعيت شقيقتي كي ترعاني وطفلي الصغير” تروي حنين..
الآن وبعد ثلاثة أعوام من بدء جائحة كورونا في مصر، لا زالت حنين تعاني من عدم تلقيها الرعاية الطبية اللازمة لحالتها، فقد أزالت ورماً حميداً من الثدي قبل إصابتها بكورونا بسنوات، وتحتاج لعمل فحوصات ومتابعة دورية كل 6 أشهر للتأكد من عدم عودة الورم، كما تعاني أيضا من قرحة بالمعدة وتحتاج لإجراء منظار لتشخيص حالتها وتحديد العلاج اللازم لها. تقول حنين “غير أنني غير قادرة على توفير النفقات اللازمة، لجأت إلى مفوضية شؤون اللاجئين وجمعية كاريتاس في مصر، دون جدوى، فحتى الآن لم أجد من يساعدني في تأمين احتياجاتي من العلاج أو الرعاية اللازمة”.
خطر العمى
أما مُزن (38 عاما) وهي لاجئة سودانية تعيش في منطقة فيصل بالجيزة، فقد رفضت إحدى المراكز الطبية المتخصصة التابعة لجمعية “كاريتاس” في مصر علاجها، خلال 2022، بدعوى عدم تمكنها من تغطية تكلفة إجراء عملية جراحية في شبكية العين. وعانت مزن من مضاعفات عدة، إثر إصابتها بارتفاع ضغط الدم المزمن وارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم، ما تسبب في حدوث جلطة مزمنة على شبكية العين اليسري بمركز النظر.
تقول مُزن “قدمت طلب تظلم لجمعية كاريتاس وأرفقت معه ملفي الطبي، وصوراً من التقارير والصور الشعاعية كي تساعدني الجمعية، غير أنني انتظرت طوال السنة دون جدوى، ووضعي المادي سيئ جدا ولا يمكنني أن أتحمل نفقات العلاج على حسابي الشخصي”.
عدم حصول مُزن على العلاج لمدة عام كامل وعدم إجراء الجراحة تسبب في تراجع قوة النظر وازياد نسبة الارتشاح في الشبكية وضعف عصب العين. وأمام تدهور الحالة توجهت اللاجئة السودانية إلى منظمة “إنقاذ الطفولة” لإجراء الجراحة ووافقت بعد إلحاح، وحولتها إلى مستشفى “الرواد” لإجراء الجراحة وبدورها طلبت المستشفى تحليل وظائف كبد، وتقدمت اللاجئة بطلب إلى هيئة إنقاذ الطفولة منذ مطلع ديسمبر 2022، وما زالت بانتظار الرد على طلبها، وبين الطلبات والأوراق، تأمل مُزن أن تُجري الجراحة قبل أن تفقد نظرها نهائيا.
مُزن وحنين نماذج من ملايين المهاجرين/ات واللاجئين/ات في مصر، العاجزين/ات عن تلقي العلاج في المستشفيات الخاصة أو الحكومية أو المتخصصة، إما لعدم امتلاكهم/ن المال اللازم للعلاج، أو عدم قدرة مفوضية شؤون اللاجئين أو المنظمات الأممية على تحمل تكلفة علاجهم/ن، جراء خفض ميزانية هذه المنظمات، أو بسبب عدم قدرة المستشفيات على استيعاب الأعداد الكبيرة للمرضى.
علما أن امتناع المستشفيات عن علاج اللاجئين/ات يخالف قرار رئيس الوزراء رقم 1063 لسنة 2014 الذي يُلزم جميع المستشفيات بتقديم خدمات العلاج لحالات الطوارئ والحوادث بالمجان لمدة 48 ساعة، وبالمخالفة لاتفاقية عام 1951 الخاصة باللاجئين، والمادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يكفل حق الصحة للإنسان، والمادة 18 من الدستور المصري التي تجرم الامتناع عن تقديم العلاج في حالات الطوارئ، وبالمخالفة لمذكرتي تفاهم بين الحكومة ومفوضية شؤون اللاجئين لمنح اللاجئين من جميع الجنسيات إمكانية وصول متساوية للرعاية الصحية الأولية والثانوية والطوارئ مثل المصريين.
يوضح محمود فؤاد مدير المركز المصري للحق في الدواء (مجتمع مدني)، أن القرار الخاص بعلاج حالات الطوارئ لمدة 48 ساعة بالمجان، على أن تتحمل الحكومة تكلفة العلاج لم يصدر معه لائحة تنفيذية لطريقة وآليات التنفيذ، كما أنه لم يقر عقوبات على المستشفيات المخالفة وبالتالي فهناك كثير من المستشفيات تتهرب من تنفيذه، بسبب عدم قدرة ميزانية العلاج على نفقة الدولة على تغطية هذه الخدمة، خاصة أن علاج حالات الطوارئ هي الأكثر تكلفة.
وأضاف فؤاد، أن المستشفيات الخاصة تخشى أن ترسل فواتير علاج حالة الطوارئ إلى وزارة الصحة كي تحصل على قيمتها، وتصل هذه الفواتير إلى مصلحة الضرائب وبالتالي تقدر مصلحة الضرائب مبالغ ضريبية عالية على هذه المستشفيات، مشددا على ضرورة تفعيل الرقابة على المستشفيات الخاصة للتأكد من تطبيق القانون، في ظل صدور حكم قضائي بإلزام تطبيق القرار.
معاناة اللاجئات الفلسطينيات
ليندا (46 عاما) لاجئة فلسطينية تقيم في القاهرة منذ سنوات طويلة، تشكو من المشاكل الكثير التي تواجهها عند حاجتها للرعاية الصحية أو صرف علاج من مستشفى “مصطفى محمود” في المهندسين، فقد فوجئت بالصيدلانية تحرمها من الحصول على بعض الأدوية بزعم أن سعرها غالي ولا يحق لها الحصول عليها، وأخبرتها أن الحد الأقصى للعلاج الشهري 200 جنيه فقط، ومثلها لإجراء التحاليل أو الإشاعات الطبية.
تؤكد ليندا أن المستشفى لا تخيرها في أنواع الأدوية التي تريد الاستغناء عنها حتى تصل للحد المسموح لها به، بل تتدخل الصيدلانية وتشطب ما تريده، دون رغبتها، وهو ما يسبب مشاكل صحية أكبر لها.
من جانبه يقول أبو أنس، وهو قائد مجتمعي بين أبناء الجالية الفلسطينية، إن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونروا) تعاقدت مع جمعية مصطفى محمود لتقديم خدمات الرعاية الصحية للاجئين/ات الفلسطينيين/ات عبر مستشفى الجمعية، غير أن الجمعية تخالف بنود التعاقد، إذ ترفض استقبال حالات الطوارئ أو العلاج أيام الخميس والجمعة والسبت، بدعوى عدم وجود الموظف المختص التابع للأونروا أو الهلال الأحمر، الذي يغيب نصف عدد أيام الأسبوع تقريبا.
وأضاف أبو أنس، أن المرضى يضطرون للانتظار لبضعة أيام أحيانا قبل أن يتمكن من دخول المستشفى للعلاج، لأن الموظف المختص يغلق هاتفه المحمول خلال أيام إجازاته التي تبلغ 3 أيام أسبوعيًا بخلاف العطلات والإجازات الرسمية، موضحا أن اللاجئين/ات الفلسطينيين يتم وضعهم/ن داخل غرف سيئة لا يوجد بها مراوح أو تكييفات.
وأكد القائد المجتمعي أن عددا كبيرا من اللاجئين/ات الفلسطينيين/ات توقفوا/ن عن صرف علاجهم/ن الشهري، بسبب الإهانات المتكررة التي يتعرضون لها، علاوة على أنهم يضطرون للانتظار من الساعة 11 صباحا حتى الـ4 مساء.
وضع مادي متردي
تقول لطيفة دغمان، مديرة مؤسسة "بكرة أحلى للتنمية"، إن كثيراً من اللاجئات فشلن في الحصول على الخدمات الصحية اللازمة خلال جائحة كورونا، لأسباب مختلفة، في مقدمتها عدم امتلاكهن للأموال اللازمة لتحمل تكاليف المستشفيات أو الأطباء في العيادات الخاصة أو حتى شراء الأدوية اللازمة، ووصل الأمر إلى أن كثيرا منهن كن وما زلن غير قادرات على توفير تكلفة أي فحص طبي سواء كشف أو تحليل أو إجراء أشعة أو غيرها، في ظل ظروف اقتصادية عاصفة وصلت أوجها في مصر إبان جائحة كورونا.
وأضافت دغمان، أن السيدات الحوامل يعانين بشكل خاص من تراجع الخدمات الصحية اللائي يحصلن عليها، فلا يتمكنن من متابعة حملهن بشكل دوري إلا داخل الوحدات الصحية الحكومية إلى جانب المصريات، وتعاني هذه المراكز من التكدس وقلة الاهتمام، ومع حللو موعد الولادة ينبغي على اللاجئات أن يتقدمن بطلب لمفوضية شؤون اللاجئين ويقدمن معه ما يثبت أنها تتابع حملها داخل وحدات الصحة أو طب الأسرة المصرية، حتى تعطي المفوضية للحامل مبلغ 900 جنيه مُقسم على دفعتين متساويتين قبل وبعد الولادة، وتشترط المفوضية أن تجري الحامل عملية الولادة داخل مستشفى حكومي، وإلا فلن تساعدها بأي شيء.
توضح دغمان، أن المستشفيات الحكومية في مصر تعاني من التكدس وعدم الاهتمام بالمرضى بسبب ضغط المرضى عليها، علاوة على أن مناطق تجمعات اللاجئين لا تتوافر فيها مستشفيات عامة بكثرة، وإن وجدت فهي تتواجد في أماكن أو مناطق بعيدة جدا عن مواقع تمركز اللاجئن/ات، مؤكدة أن كثير من اللاجئات اضطررن إلى بيع أثاث منزلهن وممتلكاتهن لتوفير حاجتهن من الدواء والعلاج.
مفوضية شئون اللاجئين
من جانبه قال فيليبو غراندي، مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، في بيان للمفوضية خلال 2019: "أشعر بقلق عميق إزاء حقيقة أن 8 من أصل 10 لاجئين في مصر يعيشون في أوضاع إنسانية بائسة، ولا يمكنهم تلبية حتى أبسط احتياجاتهم، ويعتبر الحصول على لقمة العيش تحديا يوميا لهم، يحتاج هؤلاء اللاجئون إلى مساعدة إنسانية كافية وفي الوقت المناسب، ولكن نحن عاجزون الآن عن تزويدهم بالاحتياجات الضرورية أو المحافظة على برامجنا الأساسية لحمايتهم."
وفقا لتقييم أجرته مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عام 2019، فإن 60% من اللاجئات مصنفات أنهن يعيشن تحت خط الفقر، وصُنفت 25% أخريات بأنهن قريبات من خط الفقر، وذكرت المفوضية أن برامج حماية اللاجئين/اللاجئات الحالية في مصر لا تحصل سوى على 4% من التمويل المطلوب له، وأن زيادة أعداد اللاجئين تقترن بنقص التمويل، وتتركهم كثير منهم بدون الدعم والحماية الحيوية لهم.
نقص التمويل
من جانبه كشف مصدر مسؤول بإحدى المنظمات الشريكة لمفوضية شؤون اللاجئين في مصر، طلب عدم الإفصاح عن اسمه بسبب قيود التصريح لوسائل الإعلام التي تفرضها منظمته، أن ميزانية المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في تناقص دائم منذ 2017 تقريباً، وتتناقص سنويا ما يسبب ضغطاً كبيراً على قيمة المساعدات التي توفرها المفوضية للاجئين/ات وطالبي/ات اللجوء بمختلف جنسياتهم، ويضطرهم لتقليص حجم المساعدات والخدمات التي يقدمونها.
وأضاف المصدر: أن ما يصل لمنظمات الأمم المتحدة أقل كثيرا من احتياجاتها، وبالتالي تعمل المفوضية بتمويل ضعيف وصغير نسبيا لا يغطي كل العاملين/ات بها، وبالتالي تواجه تحديا حقيقا في تلبية احتياجات اللاجئين/ات بشكل عام والصحي بشكل خاص.
يؤكد هذا المحامي محمد عاطف المتخصص في شؤون الأجانب في مصر، اذا يشير إلى أن معدل استجابة المفوضية والمنظمات الشريكة لها مع احتياجات ومتطلبات اللاجئين/ات تراجعت خلال جائحة كورونا، ويقول "باتت تحتاج لوقت أطول بسبب ظروف الإغلاق العام وتخفيض أعداد العاملين/ات داخل مقار المنظمات استجابة للإجراءات الاحترازية لمنع انتشار فيروس كورونا، وهو ما سبب مشاكل أكبر، ففي الوقت الذي ازدادت فيه احتياجات اللاجئين/ات باتت الاستجابة لهذه المتطلبات تحتاج وقتا أطول".
المهاجرات أكثر معاناة من اللاجئات
وفقا لإحصائيات منظمة الهجرة الدولية، يُقيم في مصر قرابة 4.5 مليون مهاجرة، بمتوسط عُمر 35 عاما، غير أنهن يعانين في الحصول على الخدمات الصحية أكثر من نظرائهن المسجلات في مفوضية شؤون اللاجئين، لأن ملفاتهن أغلقت في المفوضية ولا يتلقين أي مساعدات ويضطررن للعمل في القطاع غير الرسمي في المنازل والورش وبعض المطاعم والمحال التجارية في ظروف عمل قاسية جدا كي يوفرن قوت يومهن، وعندما تصاب إحداهن بمرض لا تتمكن من الحصول على خدمة طبية، وتضطر للاعتماد على نفسها في توفير الأموال اللازمة، وفقا للدكتور عصام حامد المحامي المتخصص في شؤون الأجانب في مصر.
اتفاقيات بين وزارة الصحة والمفوضية
وقد وقعت المفوضية السامية لشئون اللاجئين اتفاقية مع وزارة الصحة المصرية، عام 2018، دعمت بموجبها المفوضية الوزارة بـأجهزة ومعدات طبية بمبلغ إجمالي 4.5 مليون دولار، شملت دعم 6 مستشفيات بأجهزة للكشف المبكر عن أورام الثدي للكشف عن هذا المرض في مراحل مبكرة وتلقي العلاج اللازم، إضافة إلى أجهزة غسيل كلى، وأسِرّة طبية، ووحدات عناية مركزة، وأجهزة تنفس وغيرها، على أن تُخصص الوزارة 19 مستشفى ومركزاً طبّياً حكومياً، لتقديم خدمات الرعاية الأولية للاجئين/ات.
وفي أكتوبر 2021، سملت مفوضية شئون اللاجئين 200 جهاز كمبيوتر محمول لوزارة الصحة لدعم جهودها في مجال التحويل الرقمي ومساعدتها في إجراءات التطعيم ضد فيروس كورونا.
ومع انتشار جائحة كورونا شملت مصر المهاجرين/ات واللاجئين/ات الموجودين/ات على أراضيها في برامج التطعيم ضد فيروس كورونا على قدم المساواة مع المصريين.
وقد أصدر وزير الصحة قرارا، عام 2012، بمعاملة المرضى السوريين/ات المُقيمين في مصر بنفس الأسعار التي يعامل بها المصرييين/ات، فيما يتعلق بالعلاج فى المستشفيات الحكومية.
تحديات مستمرة
من جانبه يقول تيسير النجار، رئيس الهيئة العامة للجالية السورية في مصر: إن اللاجئين/ات بجميع جنسياتهم/ن يعانون من ضعف الخدمات الصحية المقدمة لهم، إما عبر المفوضية أو عبر المنظمات الشريكة لها، موضحا أن هناك تحديات كثيرة تواجه المنظمات في هذا الملف.
يضيف النجار، أن اللاجئات المُطلقات أو الأمهات أو غير المعيلات هن الأكثر تأثرا وتضررا من ضعف الخدمات الصحية المتوفرة لهن، لأنهن لا يتمكنن من توفير المال اللازم لتلقي الرعاية الصحية على نفقتهن الخاصة، في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة داخل مصر إثر ارتفاع نسب التضخم وتدني سعر صرف العملة المحلية، وبالتالي يضطررن للإهمال في وضعهن الصحي، ما يتسبب في حدوث مضاعفات صحية أخطر لا يُحمد عقباها.
هذا التحقيق أعد بدعم من CFI Media development ضمن مخرجات برنامج "Amma Baad" وكتب بلغة حساسة للجندر