تقرير: سلمى نصر الدين
أوقفت منظمة أطباء بلا حدود في ديسمبر/كانون الأول 2024 عمليات إنقاذ المهاجرين في البحر المتوسط، نتيجة لتعنت السلطات الإيطالية مع مراكب الإنقاذ تابعة للمنظمات غير الحكومية، وقالت المنظمة إن سفينتها جيو بارنتس تعرضت خلال العامين الماضيين لـ 4 عقوبات من السلطات الإيطالية، مما فرض عليها عدم مغادرة الميناء لمدة 160 يومًا.
يأتي قرار أطباء بلا حدود في إيقاف عمليات الإنقاذ بعد قرابة عامين من إقرار إيطاليا قانون وصف بأنه مُعيق لعمليات الإنقاذ في المتوسط، ويتسبب في سقوط المزيد من الضحايا في طريق البحر المتوسط.
منذ تولت جورجيا ميلوني (المنتمية للأحزاب اليمنية) رئاسة وزراء إيطاليا، وهي تتخذ إجراءات وسياسات متشددة تجاه المهاجرين غير النظامين في طريق وسط البحر المتوسط، والذي تُعرفه منظمات دولية وإنسانية عدة بأنه الطريق الأكثر فتكًا بالمهاجرين، إذ فقد فيه خلال الفترة من 2014 وحتى 2024 قرابة 24 ألف و456 مهاجرًا من إجمالي 31 ألف و162 مهاجرًا فقدوا في كل طرق البحر المتوسط، أي قرابة 8 من كل 10 حالات فقد أو غرق وقعت في البحر المتوسط كانت في طريق منتصف البحر المتوسط، بحسب مشروع المهاجرين المفقودين التابع للمنظمة الدولية للهجرة.
منع الإنقاذ في المتوسط
في صباح يوم 25 أكتوبر 2022، ألقت رئيسة وزراء إيطاليا، جورجيا ميلوني، أول خطاب لها أمام البرلمان الإيطالي، وبينما هي تتحدث داخل القاعة عن تعهدها بإيقاف الهجرة غير النظامية، تناقلت وكالات الأنباء خبر فقدان طفل رضيع كان على متن مركب هجرة غير نظامية بصحبة والديه إلا أن أثره اختفى بعد انقلاب القارب الذي كان على متنه 39 شخصًا منهم 8 أطفال، يوم 23 أكتوبر 2022 قبالة السواحل الإيطالية.
وبعدها بشهرين تقريبًا أقرت مرسومًا ثم تحول بعدها لقانون بموافقة البرلمان في يناير 2023، ينص على أنه بعد كل عملية إنقاذ تقوم بها سفن ومراكب المنظمات غير الحكومية في منطقة الإنقاذ التابعة لإيطاليا عليها الرجوع للسلطات الإيطالية للحصول على إذن بإنزال المهاجرين على متنها قبل القيام بعملية إنقاذ أخرى.
في يناير 2023 أصدرت منظمة أطباء بلا حدود بيانًا تنتقد فيه السياسات الإيطالية تجاه الهجرة غير النظامية، وإعاقتها عمليات الإنقاذ في البحر من خلال إصدارها القانون 1/2023 الخاص بسفن الإنقاذ التابعة للمنظمات غير الحكومية.
وفي بيانات متعددة صدرت عن عدة منظمات إغاثية غير حكومية منها alarm phone، وsea watch، وأطباء بلا حدود أجمعوا على أن السلطات الإيطالية تقوم باختيار ميناء بعيد عن منطقة تواجد السفن ما يستهلك وقتًا أطول للوصول ويُعيق أي عمليات إنقاذ أخرى في البحر المتوسط.
في عام 2022 كانت إيطاليا استقبلت 105 آلاف و131 مهاجرًا غير نظاميًا قدموا إليها عن طريق البحر المتوسط، بينما استقبلت خلال العام الجاري 2024 قرابة 65 ألف مهاجرًا غير نظاميًا، لتتراجع نسبة الواصلين إلى الحدود الإيطالية بنحو 38% بين عامين 2022 و2024.
بينما ارتفعت أعداد الغرقى والمفقودين في طريق منتصف المتوسط عام 2024 مقارنة بعام 2022، إذ بلغت أعداد الغرقى في 2024 قرابة 1700 حالة غرق، بينما كانت عام 2022 حوالي 1417.
وفي تقرير صادر عن البرلمان الأوروبي ذكر أن إيطاليا ومالطا منعا مرارًا وتكرارًا المنظمات غير الحكومية والسفن الأخرى التي كانت تقوم بأنشطة البحث والإنقاذ في البحر الأبيض المتوسط من إنزال الأشخاص الذين أنقذتهم في البحر في موانئها. وعلاوة على ذلك، قررت الدول الأعضاء في أوائل عام 2019 وقف الدوريات البحرية لعملية صوفيا التابعة للقوة البحرية الأوروبية في البحر الأبيض المتوسط والتي أنقذت عشرات الآلاف من الأرواح.
وكانت سياسة إجبار المهاجرين على البقاء لعدة أيام وأحيانًا أسابيع على متن القوارب، إلى جانب الإجراءات القانونية والحواجز الإدارية المختلفة لمنع سفن المنظمات غير الحكومية من العمل في البحر، نتيجة للمواجهة بين الدول الأعضاء. كانت معظم الحكومات مترددة في تقديم أماكن لإعادة التوطين أو منح الحماية للأشخاص الذين يحتاجون إليها. وبدلاً من توفير التضامن الفعال مع الدول الأعضاء في الخطوط الأمامية وتقاسم المسؤولية بشكل عادل، استمرت دول الاتحاد الأوروبي في تأمين الحدود الخارجية وركزت على التعاون مع دول ثالثة (وخاصة ليبيا) للحد من تدفقات الهجرة، مما أثار انتقادات شديدة من الأكاديميين ومنظمات المجتمع المدني.
اتفاقات تقتل المهاجرين في المتوسط
تعقد الدولة الأوروبية اتفاقات مع دول جنوب البحر المتوسط (مصر، تونس، ليبيا) منذ عام 2017 وذلك تحت مظلة الاتحاد الأوروبي لإيقاف الهجرة غير النظامية عبر البحر المتوسط، وهي الاتفاقيات التي انتقدتها منظمات عدة على رأسها مفوضية الأمم المتحدة السامية لشئون اللاجئين.
بموجب تلك الاتفاقيات تحصل دول جنوب البحر المتوسط، والتي تعد دول معبر باتجاه الاتحاد الأوروبي على أموال نظير إعاقة مراكب الهجرة عن الوصول إلى الحدود الأوروبية بما يُعرف باسم سياسة الصد الخارجي، والتي بدأت الدول الأوروبية انتهجها منذ قرابة العقد.
ليبيا
كانت أولى تلك الاتفاقيات التي عُقدت بين إيطاليا وليبيا عام 2017 وصفته المنظمات الحقوقية بأنه اتفاق مُغزي، وطالبت الاتحاد الأوروبي بإيقافه، لوجود تقارير وثقت انتهاكات يمارسها خفر السواحل الليبي ومنها: أعمال قتل، وإخفاء قسري، وتعذيب، واستعباد، وعنف جنسي، واغتصاب، وغيرها من الأفعال اللا إنسانية تُرتكب خلال احتجازهم تعسفيا. أكثر هذه الجرائم تحدث في مراكز جهاز “مكافحة الهجرة غير الشرعية”، الكيان الرسمي المسؤول عن مراكز احتجاز المهاجرين في مختلف أنحاء ليبيا لدى وزارة الداخلية الليبية، بحسب تقرير بعثة تقصي الحقائق في ليبيا، الصادر عام 2023.
بحسب الاتفاق المبرم عام 2017، بين إيطاليا وليبيا، والمدعوم من الاتحاد الأوروبي، خصصت إيطاليا حوالي 32 مليون يورو لبعثات دولية لدعم خفر السواحل الليبي، بالإضافة لتمويل آخر بـ 10 ملايين يورو عام 2021.
ويُشير مجلس الاتحاد الأوروبي، أن ليبيا حصلت على دعمًا إجماليًا يُقدر بحوالي 700 مليون يورو منذ 2015، ويتضمن الدعم المُقدم من صندوق الاتحاد الأوروبي الاستئماني لدعم الطوارئ في إفريقيا، والذي تُقدر قيمته بحوالي 450 مليون يورو.
الصندوق الائتماني لدعم الطوارئ في أفريقيا، هو صندوق أنشأه الاتحاد الأوروبي في نوفمبر 2015، لمحاربة الهجرة غير النظامية وعودة المهاجرين وإعادة دمجهم في بلدانهم، ويعمل الصندوق في 3 مناطق رئيسية في أفريقيا.
ومنذ توقيع الاتفاق بين الدولتين أظهرت البيانات ارتفاعا في أعداد عمليات الصد التي مارسها خفر السواحل الليبي ضد المهاجرين،بحسب بيانات مشروع المهاجرين المفقودين، خلال 2022 اعترض خفر السواحل الليبي حوالي 24 ألفا و684 محاولة هجرة غير نظامية في منتصف البحر المتوسط، من إجمالي 56 ألفا و515 محاولة اعتراض أو منع لسفن ومراكب الهجرة غير النظامية، ما يُمثل حوالي 43% من إجمالي محاولات الاعتراض أو المنع التي تحدث في طريق منتصف المتوسط، وفقًا لإحصائيات صادرة عن منظمة الهجرة الدولية.
كما ارتفع عدد الاعتراضات التي قام بها خفر السواحل الليبي من 14 ألفا و332 مرة خلال عام 2016، إلى 24 ألفا و684 مرة، بزيادة قدرها حوالي 42%.
أقرأ أيضًا|الاتحاد الأوروبي يُمول خفر السواحل الليبي لقتل اللاجئين والمهاجرين
بدأت عمليات الاعتراضات تزيد منذ توقيع الاتفاق مع إيطاليا، والذي ينُص في مادته الأولى على “بدء مبادرات التعاون وفقا للبرامج والأنشطة التي اعتمدتها ليبيا، متمثلة في المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني الليبية فيما يتعلق بدعم المؤسسات الأمنية والعسكرية “من أجل وقف تدفقات المهاجرين غير الشرعيين ومواجهتهم، بما يتفق مع ما تتوخاه معاهدة الصداقة والشراكة التعاون الموقّع أدناه بين البلدين والاتفاقات والمذكرة التفاهم الموقّع أدناه بين الطرفين”.
بالإضافة إلى “التزم الطرف الإيطالي بتقديم الدعم التقني والتكنولوجي للمؤسسات الليبية المكلفة بمكافحة الهجرة غير النظامية، والتي يمثلها حرس الحدود وخفر السواحل التابع لوزارة الدفاع والهيئات والإدارات المختصة في وزارة الداخلية”.
تونس
وفقًا للاتحاد الأوروبي، في عام 2022 ارتفعت أعداد مراكب الهجرة التي تخرج من تونس اتجاه أوروبا وتحديدًا إيطاليا، قبل 2022 كانت ليبيا هي المركز الرئيسي الذي تخرج منه مراكب الهجرة غير النظامية في ظل الانفلات الأمني وبعد تشديد مصر الرقابة على سواحلها الشمالية، والتي بسببها وفقا لتصريحات المسئولين المصريين على رأسهم الرئيس عبد الفتاح السيسي لم يخرج مركب هجرة غير نظامية منذ عام 2016
التحول من ليبيا إلى تونس كدولة معبر إلى الاتحاد الأوروبي جعل الاتحاد الأوروبي يطور من التعاون المشترك مع تونس، فوقع الطرفان الاتحاد الأوروبي متمثلًا في إيطاليا وتونس، في يوليو 2023، اتفاقية شراكة بموجبها تحصل تونس على قرابة 100 مليار يورو لمكافحة الهجرة النظامية في البحر المتوسط
أقرأ أيضًا|ستموتون هنا.. تمويل الاتحاد الأوروبي خفر السواحل التونسي يرفع أعداد الغرقى في البحر المتوسط
لم تصدر أي تفاصيل حول بنود وآليات الاتفاقية، ولكن بحسب بيانات مشروع المهاجرين المفقودين فإن عمليات الصد من قبل خفر السواحل التونسي قد ارتفعت خلال عام 2023، إذ اعترض خفر السواحل التونسي 42 ألف و370 شخصًا في 2023 مقابل 1 ألف و105 شخصًا اعتراضهم في 2016.
اتفاقات مخالفة للقوانين الدولية
بحسب الاتفاقيات الدولية للبحث والإنقاذ البحر التي صدرت عن الأمم المتحدة بين عامي 1979 و1982 فإن جميع الدول الموقعة عليها مسئولة عن إنقاذ العالقين القريبين من موانئها بما في ذلك السفن التي تحمل أعلام الدول الموقعة على تلك الاتفاقات.
كما نصت على على نقل الناجين إلى مكان آمن.
تنطبق اللائحة (الاتحاد الأوروبي) رقم 656/2014 بشأن مراقبة الحدود البحرية الخارجية على جميع عمليات مراقبة الحدود البحرية التي تنسقها فرونتكس وتتضمن مجموعة من التزامات البحث والإنقاذ وإنزال المهاجرين لسفن إنفاذ القانون في الدول الأعضاء. تلتزم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بتقديم المساعدة لأي سفينة أو شخص في محنة في البحر بغض النظر عن جنسية أو وضع هذا الشخص أو الظروف التي تم العثور فيها على هذا الشخص، وفقًا للقانون الدولي واحترام الحقوق الأساسية.
تنص المادة 4 (1) من اللائحة على أنه لا يجوز “إنزال أي شخص في بلد غير آمن أو إجباره على الدخول إليه أو توصيله إليه أو تسليمه إليه بأي شكل آخر”كما هو محدد في اللائحة. عندما يحدث الحظر في المياه الإقليمية أو المنطقة المتاخمة، يجب أن يتم الإنزال عادةً في الدولة العضو الساحلية، أي الدولة العضو التي تتم العملية في منطقتها الإقليمية أو المتاخمة.
وترى أمينة المظالم في الاتحاد الأوروبي، أنه ينبغي للاتحاد الأوروبي ضمان استيفاء تونس للمعايير الحقوقية الأساسية قبل إرسال سنت واحد إلى كيانات ذات سيء في مجال حقوق الإنسان. عدم القيام بذلك يُهدّد بتورّط الاتحاد الأوروبي في المزيد من الانتهاكات الجسيمة والتسبب في معاناة كبيرة.