كيف أثرت الحرب نفسيًا على أطفال السودان؟
بقلم: سلمى عبدالعزيز
“سوف نموت، قتلوا عمي وسيقتلوننا” هذا ما ظل يُردده “علي” 9 سنوات فور استيقاظه من النوم فزعًا منذ فراره وأسرته من منطقة “بري” وسط العاصمة الخرطوم إلى القاهرة في الخامس والعشرين من مايو الماضي.
إذ تشهد السودان حرب وصراعًا بين الجيش السوداني وقوات التدخل السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي)، منذ 15 أبريل الماضي، كان أولى ضحايا هذا الصراع المدنيين، وواجه الأطفال تحديدًا تحديات وأزمات اجتماعية ونفسية، بحسب تقرير صادر عن المفوضية السامية لشئون اللاجئين، في 4 يونيو الماضي.
إذ نزح نتيجة الحرب حوالي مليون طفل خلال الفترة ما بين 15 أبريل وحتى 16 يونيو 2023، وفقًا لتقرير صادر عن اليونيسف. فيما وصل عدد الأطفال المحتاجين للمساعدة الإنسانية، حتى 30 مايو الماضي، إلى 13.6 مليون طفلًا.
تقول والدة الطفل علي، أمل عبدالرحيم، في حديثها لـ المهاجر، شاهد طفلي عمه الذي تربطه به علاقة وطيدة يُقتل أمامه برصاصة طائشة لا نعلم مصدرها حتى الآن، كان يقف على مقربة منه عندما اخترقت الرصاصة صدره وشاهده يسقط على الأرض والدماء تسيل منه.
نوبات هلع وخوف
أما طيف، وهي طفلة في السادسة من عمرها ومصابة بالتوحد، فلم يختلف وضعها كثيرًا عن علي. تقول خالدة النور وهي أم الطفلة طيف، خرجتُ من منطقة “المهندسين” بمدينة أمدرمان لأجلها فقط، لولاها لن أغادر منزلي، كنتُ أشاهد حالتها الصحية تتدهور يومًا بعد يوم، ترفض الأكل، والنوم، وتبكي لساعات طويلة وباستمرار، حاولتُ عرضها على طبيبها المختص، لكنه أخبرني بمغادرته وأسرته إلى القاهرة، وهذا ما جعلني أتخذ قرار الرحيل بدوري دون أيّ تردد،” لا شيء أغلى من طفلتي”.
وعلى الرغم من مرور 30 يومًا منذ وصول طيف وأسرتها إلى القاهرة، إلاّ أنها لا تزال تُعاني من نوبات الهلع والتبول اللاإرادي.
تضيف والدتها “صباح عيد الأضحى اختبأت تحت “السرير” عند سماعها للألعاب النارية التي أطلقها الأطفال فرحًا، ظنت أنها أعيرة نارية، شعرتُ بالحزن العميق وأن أحاول اخراجها من هناك، وإقناعها بأنهم أطفال مثلها يلعبون فقط”.
الهاربون من الصراع ليسوا في سلامة كاملة
علي وطيف مثلهم والمئات من الأطفال نجحت أُسرهم في اخراجهم من مناطق الصراع بالخرطوم إلى بر آمن، ولكنها لم تفلح حتى الآن في امتصاص الصدمات النفسية التي تعرضوا لها.
بحسب تقرير نشرته مفوضية اللاجئين عن الأوضاع الإنسانية في السودان، في 4 يونيو الماضي، فإن الأطفال الذين تمكنوا من الهرب بصحبة ذويهم من الصراع، ولاجئو لدول أخرى أو نازحوا في مناطق أكثر أمانًا، لم يكونوا في السلامة كاملة.
وأشار التقرير أن اللاجئين والأطفال المشردين داخلياً الذين وصلوا إلى أماكن آمنة شهدوا تأثراً شديداً برفاههم بسبب انقطاع التعليم والخدمات الصحية؛ ويعانون من التعرض للضيق والصدمات الناجمة عن النزاع، بالإضافة إلى الإهمال وتدهور البيئة الأسرية بسبب العوز الشديد.
وقد يتعرض بعضهم للانفصال القسري عن الأسرة أثناء تنقلها.
وكان للتجربة الحية للنزاع والهروب تأثير شديد على الصحة العقلية والرفاهية النفسية للأطفال، حيث تم الإبلاغ على نطاق واسع عن علامات الضيق العاطفي الحاد بين الأطفال.
ووفقًا لسليم عويس الناطق باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في الشرق الأوسط، أن آخر التقارير تفيد بمقتل 90 طفلًا وإصابة أكثر من 1600 في السودان، وهي أرقام تعكس مدى سوء الوضع هناك.
وأشار إلى الأذى النفسي الذي يتعرض له الأطفال سوى كان عبر وجودهم في دائرة العنف أو بسبب الرحل المضنية التي يقطعونها للوصول لبر الأمان في مناطق أخرى في السودان أو في الدول المجاورة.
وشدد على أنه إن لم يتوقف العنف “سنشهد مأساة كبيرة للسودان وأطفاله وعائلاته”.
الأطفال يدفعون ثمن الحرب باهظًا
يقول الطفل محمد أدم – 11 سنة -، إنه كان يستعد للجلوس لامتحانات المرحلة المتوسطة، قرأت جيدًا، وضاع كل ذلك مع الرياح، فقدتُ أصدقائي، ومنزلي، ولا أعلم متى نعود إلى الخرطوم.
والده أدم يوضح لـ المهاجر، إنّ ابنه لم يستطيع التأقلم مع وضعه الجديد، ويُلاحِظ عليه البقاء بمفرده طويلًا غير المعتاد، وقِلة الكلام. وأضاف ” كان طفل محب للحياة، كثير الحركة والضحك، وأصبح اليوم انطوائي يرغب في البقاء بمفرده دائمًا وهذا ما يُخيفني”.
تقول الباحثة الاجتماعية المهتمة بقضايا الطفولة، صفاء الأصم، إنّ الأطفال الذين عاشوا فظائع الحرب في السُّودان وتختزن أذهانهم اصوات المدافع والطائرات والجثث الملقاة في الشوارع عُرضة للإصابة بأمراض نفسية متعددة، منها صعوبة النطق “التأتأة “، التبول اللاإرادي، البكاء الهستيري، الأحلام المزعجة، فقدان الثقة بالنفس، فقدان الشهية، والتمادي في رسم الأفكار السوداوية.
وتشير إلى أن تروما الحرب لا تُعالج بسهولة، وتأخذ وقتًا طويلًا، سيما لدى الأطفال.
تراجع التحصيل الدراسي وصعوبة الاندماج في المجتمع
وترى أن القلق والشعور الدائم بالفقد وعدم التأقلم مع الأوضاع الجديدة، سينعكس سلبًا على التحصيل الدراسي، والمقدرة على الاندماج في المجتمعات الجديدة بسرعة.
مطالبة الأسر بضرورة التعامل بحذر، ومحاولة رفع الروح المعنوية للأطفال ورفع مستوى الوعي السلوكي لديهم، وتغيير نمط التفكير إيجابيًا وخلق برامج ترفيهية جديدة؛ والاستعانة بطبيب نفسي حال لم يستجيبوا لكل ما ذكر.
وأكد تقرير المفوضية ما أشارت له الأصم بشأن تراجع التحصيل الدراسي عند الأطفال الفارين من الصراع، إذ ذكر أن انقطاع وصول الأطفال إلى المدرسة بسبب توقف التعليم والنزوح المفاجئ في وقت الامتحان النهائي إلى إعاقة آلاف الأطفال من إكمال مسار دراستهم.
وانخفض معدل الحضور في الأماكن الحالية الملائمة للأطفال، بسبب الفرار، وكذلك بسبب إجبار الأطفال على الانخراط في أشكال مختلفة من العمل العرضي لإعالة أسرهم.