تقرير: سعدية آدم
بنظرة ألم وحسرة يسترجع خالد شرف الدين ذكريات الأيام الأولى من الحرب في السودان، حين نجا وقتها من مقذوف سقط على الغرفة التي كان يجلس بداخلها في حي السينما بمدينة نيالا في ولاية جنوب دارفور، وهو الحادث الذي تعرض بعده للعديد من التهديدات التي تستهدفه شخصيًا.
خالد هو مدير لإذاعة نيالا سابقًا ومراسل الإذاعة السودانية في جنوب دارفور، وواحد من مئات الصحفيين/ات الذين تعرضوا لانتهاكات خلال الحرب اضطرهم للنزوح أو الفرار خارج البلاد.
438 حالة انتهاك رصدتها نقابة الصحفيين السودانيين، منذ اندلاع الصراع في 15 أبريل/نيسان 2023 وحتى أغسطس/آب 2024 تعرض لها الصحفيون/ات في السودان من قبل طرفي الصراع (الجيش السوداني، وميليشيا الدعم السريع)، منهم 10 صحفيين/ات تعرضوا للقتل والاغتيال.
الفرار عبر الحدود
وقف نحو 10 مسلحين أمام المنزل الذي يقطنه مراسل الإذاعة السودانية، حاولوا اقتحام المنزل وهددوه بالقتل وسرقوا هاتفه المحمول وبعض المستندات الرسمية، ثم ضربوه ووجهوا له السباب والشتائم وتركوه مُلقى على الأرض.
يقول خالد متحسرًا، كان الهاتف يحوي كل ذاكرتي وذكرياتي، بالإضافة لجهات اتصالي وبيانات حسابي المصرفي. اتخذ خالد قرارًا بعد الواقعة بالنزوح من الولاية إلى منطقة أكثر أمانًا.
يسترسل في حديثه مع المهاجر حكايته مع رحلات النزوح التي خاضها، قائلًا: بعد ثلاثة أشهر من واقعة السرقة والضرب قررت مغادرة مدينة نيالا حيث كل الذكريات المؤلمة، وتحركت باتجاه ولاية جنوب كردفان حيث تقيم عائلتي الممتدة.
مكث خالد في جنوب كردفان قرابة 4 أشهر، عانى خلالها من الآثار النفسية والجسدية للواقعة، ثم غادر وطنه نحو ليبيا، وخاض رحلة طويلة بدأت بمدينة الدبيبات ثم تحرك نحو أبو زيد، وعبر الصحراء في رحلة وصفها بـ “القاسية” خلال فصل الشتاء البارد، حتى استقر في مدينة بني غازي.
يعيش خالد في ليبيا حاملًا هموم أسرته التي تركها بين نيران الحرب في السودان، ومتحملًا الآلام المستمرة في عموده الفقري الذي تسببت بها الجماعة المسلحة التي اقتحمت بيته وانهالت عليه بالضرب.
أقرأ أيضًا|الساعات الأخيرة: تحقيق عن قتل الجيش الإسرائيلي ثلاثة صحفيين في غزة
انتهاكات ممنهجة
ذكرت نقابة الصحفيين في تقرير لها، منشور على صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، بتاريخ 5 مايو/أيار 2024، أنه يوميًا تُقتحم منازل الصحفيين/ات، وسُجلت نحو 100 واقعة اقتحام لمنازل صحفيين/ات واستباحتها من العناصر المسلحة. مضيفة أن الحرب في السودان أجبرت مئات الصحافيين والصحافيات على مغادرة مناطق النزاع المسلح، ثم الوطن بحثاً عن الأمان، وتحاصرهم اتهامات التخوين والموالاة لهذا الطرف أو ذاك، وهم مهددون بالاحتجاز والاعتقال التعسفي أو الإخفاء القسري أو الموت وفقاً لمزاج طرفي الصراع، كما وصفت تلك الانتهاكات بأنها ممنهجة وتستهدف الصحفيين/ات عن عمد.
فيما تواجه الصحافيات أخطاراً أكبر بسبب العنف القائم على النوع، وسجلت نقابة الصحفيين السودانيين واقعة اعتداء جنسي وتحرش ضد صحفية، بعد اقتحام مجموعة مسلحة تتبع الدعم السريع منزل ذويها في مدينة أمدرمان في العاصمة الخرطوم.
وأفادت النقابة بأن العنف الموجه ضد المدنيين/ات عامة والصحافيين/ات خاصة أدّى إلى تقلص أعداد الصحافيين/ات السودانيين /ات الموجودين في المدن والولايات التي شهدت اشتباكات، ما فرض حالة من التعتيم الإعلامي، إذ تناقص عدد الصحافيين في العاصمة الخرطوم إلى أقل من مائة صحافي وصحافية، بينما لا يتجاوز عدد الصحافيين السودانيين الموجودين في ولايات دارفور 60 صحافياً، وأقل من 20 آخرين في ولاية الجزيرة.
أقرأ أيضًا|ثمناً للكلمة.. صحفيات سودانيات يواجهن تهديدات بالملاحقة والقتل
عرقلة جهود نقل الحقيقة
تسرد سلافة محمد، صحفية من مدينة الفاشر في شمال دارفور، تجربتها في تغطية الحرب، قائلة: حين اندلعت الحرب لم تكن مدينة الفاشر بعيدة عن الأحداث، إذ شهدت المدينة اشتباكات عنيفة نزح بعدها المواطنين من داخل الأحياء وتوجهوا لجنوب المدينة الأقل تضررًا من الحرب -آنذاك- وخُصصت مدارس لإيواء النازحين، وتوليت نقل أصواتهم ومعاناتهم.
غطت سلافة المشكلات التي تواجه النازحين من عدم وجود مأوى كريم، وانعدام قدرتهم على الوصول الغذاء والمياه، ومناشدتهم لحكومة الولاية ومفوضية العون الإنساني والمنظمات الوطنية الاقليمية لأجل دعمهم بالمساعدات.
تُضيف لـ المهاجر كنت أيضا حريصة على طرح قضاياهم عبر المنابر والمنصات المختلفة وإيصال مناشدتهم لطرفي الصراع بضرورة إيقاف الحرب، ولكن سرعان ما تفاجأت برفع شكاوي ضدي من جهات مختلفة تحمل إتهامي بالباطل لأسباب غامضة جدا و قصد بها تكسير مجاديفي وايقافي عن العمل، إلا أني لم أتوقف عن عملي الصحفي وقد حققت نجاحا كبيرا خاصة فيما يتعلق بعكس قضايا النازحين وذلك لإيماني المطلق بأن الإعلام والصحافة المرآة العاكسة لقضايا المجتمع وصوته ولسان حاله وما زلت حتى الآن مواصلة رغم شح الامكانيات وتردي الوضع الاقتصادية، والكثير من التحديات التي تواجهنا كصحفيين بالولاية.
بحسب نقابة الصحفيين السودانيين، تعرض/ت 52 صحفي من بينهم 7 صحفيات للاعتقال والاختفاء القسري من قبل أطراف الصراع، فيما رُفعت شكاوى ضد 6 صحفيين/ات، وصفتها النقابة بأنها تُستخدم كأداة لترهيب الصحفيين وإسكات أصواتهم عن نقل الحقيقة.
ترى سلافة أن المحور الأمني هو التحدي الحقيقي الذي يواجه الصحفيين/ات أثناء التحرك لممارسة العمل الصحفي، إذ تتسبب الاشتباكات المستمرة بين الجيش والحركات المسلحة في رفع مخاطر السلامة المهنية لدى الصحفيين/ات، موضحة أن الدانات والقذائف والأعيرة النارية وتردي شبكات الاتصال كلها عوامل ساهمت بصورة كبيرة في إعاقة عملية التواصل مما أثر على العمل الصحفي.
وأشارت إلى أن دور نقابة الصحفيين ورابطة إعلامي وصحافي دارفور غائبة تمامًا وليس هناك تواصل ولا تفقد لأحوال الصحفيين في الظروف التي تمر بها البلاج.
وطالبت سلافة بضرورة تصميم جاكيت يحمل شعار الصحافة لتمييزهم وسط التجمعات، وتمليك الصحفيين من وسائل العمل والهواتف الذكية والمايكات والكاميرات، وخلق مشاريع اقتصادية تستوعب الصحفيين والإعلاميين لتحقيق استقلالية لهم.
غياب الحماية
وصف محمد شعيب، مراسل لعدد من المواقع الإخبارية في شمال دارفور ومدير إدارة الإعلام سابقًا، الوضع في مدينة الفاشر بأنه أسوأ الأوضاع ولم تخطر على بال أحد خاصة بعد التصعيد الحربي في 10 مايو/أيار 2024.
ويُعدد تأثير الصراع على الصحافة والصحفيين، قائلًا: تأثر الصحفيين/ات على كافة النواحي النفسية، والاقتصادية والمهنية، حيث غابت المهنية الصحافية من ساحة التغطية بسبب غياب الحماية الكاملة للصحفيين/ات أثناء نقل ما يجري على الأرض، ويرى أن ذلك فتح الباب أمام الشائعات والدعاية التي تبثها منصات مجهولة ومؤيدة لأحد طرفي الصراع -حسب وصفه-.
بالإضافة إلى: التهديدات التي يتعرض عليها الصحفيين/ات في حالة نشر حقائق المعركة وإلصاق تهمة الجريمة التي تطال المدنيين لأحد طرفي الصراع، كل ذلك جعل الصحفيين/ات متحفظين/ات عن الأداء الصحافي، و اتخذوا معايير السلامة والأمان درعاً لهم.
وتطرق شعيب في حديثه لـ المهاجر إلى الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها الصحفيون/ات، قائلا: إن الصحفيين/ات المحليين/ات يعانون من مشكلات اقتصادية بسبب توقف مؤسسات النشر، ما جعلهم يسلكون مسالك أخرى لتدبير شؤون الحياة الصعبة، وحتى هذه المهن الأخرى باتت مهددة بسبب المقذوفات التي باتت تسقط في هذه الأمكنة بشكل يومي.
وأكد على أن هذه الوضعية أجبرت الكثير من الصحفيين/ات للفرار إلى العالم الخارجي، ومتابعة الأحداث من على البعد وربما يتمكنون من كشف الحقائق ونشرها خلال تواصلهم مع الصحافيين أو المسؤولين، أو الأقارب بالداخل.
وأضاف: الكثير من الصحفيين/ات يفكرون في عملية اللجوء الخارجي في ظل التصعيد الحربي المتواصل، كما أن الاتحاد الدولي للصحفيين وكل الاتحادات الإقليمية، عليها أن تراعي أوضاع الصحفيين/ات السودانيين/ات في مناطق النزاعات، والتدخل العاجل في حل المشكلات التي يتعرضون إليها من مضايقات، وتهديدات، ومناشدة الأطراف المقاتلة بتمكين الصحفيين/ات من القيام بواجباتهم المهنية دون المساس بأمنهم وسلامتهم.
يتفق حديث شعيب مع ما رصدته نقابة الصحفيين السودانيين، فأشارت إلى أن نحو 50% من الصحفيين/ات توجهوا للعمل في مهن أخرى لتعويض الخسائر الاقتصادية التي لحقت بهم جراء الحرب.
تدمير المؤسسات الإعلامية
يقول محمد حسين آدم، رئيس رابطة صحفيي وإعلامي دارفور، إن حرب 15 أبريل أثرت على الصحفيين/ات والاعلاميين/ات بشكل كبير؛ نتيجة لتوقف أعمالهم إضافة للتدمير الكبير للمؤسسات الاعلامية الخاصة والعامة في إقليم دارفور وتوقف العمل في الإذاعات والوكالات بشكل كامل، إضافة للمخاطر التي تواجه العمل الصحفي.
وأضاف لـ المهاجر: واضطر معظم الصحفيين والعاملين في المهن الإعلامية للهجرة خارج السودان لأن معظم المناطق الآمنة أصبحت مناطق عمليات ولا يوجد بها سبل العيش مما اضطرهم للهجرة لدول الجوار ليبيا مصر،تشاد جنوب السودان واوغندا.
وتُشير بيانات نقابة الصحفيين السودانية إلى أنه نحو 90% من البنية التحتية لوسائل الإعلام قد دمرت من إثر الحرب المستمرة، وتوقفت 26 صحيفة عن الصدور، ونحو 10 مؤسسات إذاعية في الخرطوم و8 محطات في ولايات أخرى و6 محطات تلفزيونية في الخرطوم توقفت عن العمل، وصدور قرار بإيقاف عمل 3 محطات إخبارية خارجية وهي سكاي نيوز والعربية والحدث.
يرى رئيس رابطة صحفيي وإعلامي دارفور، أن الأجسام الصحفية لها دور كبير في مناطق الصراعات، لكن تلك الحرب طالت عدد كبير من المناطق السودانية، لذا كان دور المنظمات محدودًا مقارنة بالأعوام السابقة والكوارث المماثلة.
ويوضح تعتمد الأجسام والمنظمات في الداخل بشكل كبير، على التمويل الخارجي والاشتراكات لذا لعبت الرابطة بعض الأدوار في مدينة الفاشر وفي بعض مدن الإقليم التي شهدت عمليات عسكرية صعبة وانتهاكات واسعة النطاق قامت بها قوات الدعم السريع بالتالي معظم المجهود على قلته كان مُنصب على مدينة الفاشر في الاستضافة والمساهمة في الإيواء والعلاج لبعض المصابين وذويهم من عائلات الصحفيين خلال عام كامل. وبعده تفاقمت الأوضاع الإنسانية والأمنية بصورة سريعة في مدينة الفاشر وكان من الصعب تقديم المساعدات لان المستشفيات والمراكز العلاجية أضحت تحت مرمى النيران مما أعاق من قدرة الجمعيات والرابطة تقديم الحد الأدنى من المساعدات.
واسترسل قائلًا: هناك تحديات تواجه الفضاء المدني فيما يلي عمليات التمويل بالأخص المنظمات الصحفية وهو تمويل محدود جدا مقارنة بعدد الصحفيين، مؤكدًا على أنه حتى بعد توقف الحرب ستحتاج المؤسسات الإعلامية لوقت طويل للعودة لممارسة دورها بشكل طبيعي، وهذا بخلاف تراجع قضايا الحريات الصحفية والاعتقالات التعسفية كلها تقريبا عوامل أدت لإنهاء صناعة الإعلام والصحافة في السودان.
وأشار حسين في حديثه إلى أن المؤسسات التي تعمل حاليا خاصة في القطاع العام أضحت منابر لدعم أحد طرفي النزاع بتجاوزات مهنية مريعة فيما يلي خطاب الكراهية والتقليل من الآخرين والخطابات العنصرية وغيرها بتساهل ادارات هذه المؤسسات بفعل الخطاب الحربي والتخوين والتحشيد واضحت معاول لهدم البناء الوطني واستمرار الحرب.