هيومن رايتس ووتش: أوامر التهجير القسري لسكان شمال غزة ترقى إلى جريمة حرب
قالت هيومن رايتس ووتش أن النزوح القسري يمكن أن يرقى إلى جريمة حرب، ينطبق الأمر نفسه على استخدام التجويع كسلاح، إذ أصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي أوامر بالتهجير القسري لنحو 400 ألف شخص في شمال غزة، كما منع المساعدات من الوصول إليهم.
وذكرت هيومن رايتس ووتش في تقرير لها أن كبار المسئولين في دولة الاحتلال قالوا إنهم يحملون كل شخص في غزة مسئولية هجوم يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ومنعوا المساعدات، وقطعوا إمدادات الكهرباء ومياه الشرب. تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتحويل قطاع غزة إلى “خراب”.
انتهاك أوامر محكمة العدل الدولية
وأكدت على أن دولة الاحتلال انتهكت على مدار عام ثلاثة أوامر مؤقتة من محكمة العدل الدولية، إذ سمحت سلطات الاحتلال بدخول قدر ضئيل من المساعدات إلى غزة وأعاقت عمل البعثات الإنسانية وخاصة في شمال القطاع، ودمرت البنية الأساسية المدنية، وقتلت عمال الإغاثة، حتى أصبح يكافح الجميع تقريبا في غزة للحصول على الغذاء الكافي.
وتبرر سلطات الاحتلال قائلة بأنها أصدرت 4 أوامر تهجير قسري بين 1 و12 أكتوبر/تشرين الأول 2024، لإعطاء المدنيين فرصة للفرار إلى بر الأمان بينما يستهدف الجيش الإسرائيلي حماس.
فيما تشك هيومن رايتس ووتش في صحة الادعاء، ذاكرة وجود أدلة متزايدة على أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يسعى بشكل غير قانوني إلى إجبار المدنيين على الخروج من شمال غزة، ولا يوجد مكان آمن للذهاب إليه، ولا توجد طريقة آمنة للوصول إلى هناك، ولا توجد خطط مفترضة للسماح لهم بالعودة.
أقرأ أيضًا|منظمات حقوقية وإغاثية تُحذر من خطورة أوامر التهجير القسري لسكان شمال قطاع غزة
يحظر القانون الدولي الإنساني النقل أو الترحيل القسري للسكان الخاضعين للاحتلال. يسمح استثناء محدود بالإخلاء المؤقت كإجراء أخير، في حالات الضرورة العسكرية الملحة، أو إذا لزم الأمر لحماية المدنيين المعنيين. لكن هذا يتطلب من جيش الاحتلال الإسرائيلي ضمان نقل المدنيين بأمان، وحصولهم على الضروريات مثل الغذاء والماء والرعاية الصحية والمأوى، والسماح للناس بالعودة إلى ديارهم في أقرب وقت ممكن بعد انتهاء الأعمال العدائية في تلك المنطقة.
لم يستوف الاحتلال هذه الشروط خلال العام الماضي، والأمل ضئيل في استيفائها الآن. بعد أسبوع من الأعمال العدائية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أمر الجيش الإسرائيلي أكثر من مليون شخص في شمال غزة بمغادرة منازلهم، دون توفير وجهة آمنة لهم، وفي بعض الأحيان هاجمهم أثناء فرارهم. قال طبيب من مخيم جباليا للاجئين لـ “هيومن رايتس ووتش”، حيث أعمل مديرة للبرامج، إنه فر مع عائلته بعد وقت قصير من صدور تلك الأوامر الأولى: “بمجرد أن سمعت أمر الإخلاء بالذهاب جنوبا، كان رد فعلي الأول: لن أغادر… لكن بعد ذلك بدأت القنابل، ودُمرت منازلنا. كان عليّ حماية عائلتي”. قال إنه و36 من أفراد أسرته فروا جنوبا، على طول طريق الإخلاء المحدد، لكنهم واجهوا قصفا أثناء فرارهم وبعد وصولهم إلى ما يسمى بالمنطقة الآمنة في الجنوب، حيث كانت الملاجئ ممتلئة.
إجبار على الخروج من الشمال
بحسب الأمم المتحدة، مازال أكثر من 400 ألف شخص في شمال غزة. بعضهم من كبار السن أو من ذوي الإعاقة، وبعضهم في المستشفيات. تمكن البعض من العودة إلى الشمال بعد نزوح سابق. ليس لدى كثير منهم مكان يذهبون إليه وقالوا إنهم لا يعتقدون أنهم سيكونون أكثر أمانا فيما يسمى بالمناطق الإنسانية التي حددها جيش الاحتلال الإسرائيلي.
قال مدير مستشفى كمال عدوان في الشمال، الدكتور حسام أبو صفية، إن نقص الغذاء والوقود والإمدادات الطبية “مرعب” ويعرض حياة المرضى للخطر، بمن فيهم الأطفال حديثي الولادة: “الحليب ينفد أيضا، والطعام ينفد، وكل شيء متاح ينضب”.
تشبه أوامر التهجير القسري الأخيرة وعرقلة المساعدات الإنسانية التدابير المقترحة في خطة يُقال إن ضباطا إسرائيليين متقاعدين قدموها للحكومة الإسرائيلية مؤخرا، لإجبار المدنيين على الخروج من شمال غزة من خلال منع الغذاء والمياه وغيرها من الإمدادات. ينفي الجيش الإسرائيلي تنفيذ الخطة، لكنه في الواقع لم يسمح بإدخال المساعدات الغذائية إلى شمال غزة منذ الأول من أكتوبر/تشرين الأول. خلال تلك الفترة أمر بإخلاء المستشفيات هناك وسط تكثيف الهجمات القاتلة، بما فيها على مركز لتوزيع الأغذية. أغلقت آبار المياه والمخابز والنقاط الطبية والملاجئ في الشمال. توقفت منظمات الإغاثة عن تقديم خدماتها.
وتؤكد هيومن رايتس ووتش على المدنيين يتمتعون بالحماية سواء التزموا بأوامر الإخلاء العسكرية أم لا، وعلى الجيش الإسرائيلي باعتباره سلطة الاحتلال أن يضمن وصول المساعدات الكافية إليهم أينما كانوا. على إسرائيل أن توفر المساعدات الإنسانية من دون نقص في شمال غزة، بما فيها الإمدادات للمستشفيات، وأن تمتنع عن شن الهجمات غير القانونية، وأن تنهي كل أشكال النزوح القسري.