اتهمت منظمة أوكسفام (منظمة إنسانية دولية غير حكومية) بتعمد الاحتلال الإسرائيلي رفض دخول المساعدات إلى قطاع غزة، موضحة أن الكثير من المساعدات مُخزنة في العريش.
وذكرت في تقرير لها أن الاحتلال الإسرائيلي رفض دخول مستودع كامل من المساعدات الدولية بما في ذلك الأوكسجين والحاضنات ومعدّات منظمات أوكسفام في مجال الماء والنظافة، وكلها مخزنة الآن في العريش على بعد 40 كيلومترًا فقط من حدود قطاع غزة حيث يوجد 2.3 مليون فلسطيني/ة.
ووصفت النظام الذي ينتهجه الاحتلال لدخول المساعدات بأنه نظام اعتماد ومسح وتفتيش فوضوي لا يمكن التنبؤ به، تسيطر عليه السلطات الإسرائيلية في نهاية المطاف. وتظلّ أسباب الرفض غير واضحة، حسبما تقول منظمة أوكسفام.
وقالت منظمة أوكسفام إنّ هذه المساعدات المرفوضة هي مجرد مثال واحد على الاستجابة الإنسانية الشاملة التي جعلتها إسرائيل خطيرة ومختلة وظيفيًا لدرجة أنّه يستحيل على وكالات الإغاثة العمل بالسرعة والنطاق اللازمين لإنقاذ الأرواح، على الرغم من أنها تبذل قصارى جهدها في سبيل ذلك.
الموت الجماعي
وبحسب منظمة أوكسفام تتحمّل الحكومة الإسرائيلية المسؤولية عن انهيار الاستجابة الدولية للأزمة في قطاع غزة. فهي تتقاعس عن الوفاء بمسؤولياتها القانونية تجاه الشعب الذي تحتلّ أرضه، وتخالف أحد الأحكام الرئيسية التي طالبت بها محكمة العدل الدولية – لتعزيز المساعدات الإنسانية في ضوء خطر حصول إبادة جماعية في قطاع غزة.
وتعتقد منظمة أوكسفام أنّ سكان قطاع غزة سيعانون من الموت الجماعي بسبب المرض والمجاعة بما يتجاوز بكثير ضحايا الحرب المدنيين الحاليين البالغ عددهم 31 ألف ما لم يتخذ الاحتلال خطوات فورية لإنهاء انتهاكاتها.
وقالت سالي أبي خليل، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة أوكسفام: “كان ينبغي لأمر محكمة العدل الدولية أن يصدم القادة الإسرائيليين لتغيير مسار الحرب، ولكن منذ ذلك الحين ساءت الأوضاع في قطاع غزة”. وأضافت “أنّ عدم تحدّي الحكومات الأخرى لإسرائيل بما يكفي من قوة، والتحوّل بدلًا من ذلك إلى أساليب أقلّ فاعلية مثل الإنزال الجوي والممرات البحرية هي إشارة حمراء ضخمة تشير إلى أنّ إسرائيل تواصل إنكار الإمكانات الكاملة لطرق أفضل لتقديم المزيد من المساعدات”.
وأردفت أبي خليل قائلة “إنّ السلطات الإسرائيلية لا تتقاعس عن تسهيل جهود الإغاثة الدولية فحسب، بل تعرقلها بشكل متعمّد. ونعتقد أنّ إسرائيل قد فشلت في اتخاذ جميع التدابير التي في وسعها لمنع الإبادة الجماعية”.
ويحدّد تقرير منظمة أوكسفام “إلحاق معاناة ودمار غير مسبوقين” سبع طرق حاسمة تمنع بها إسرائيل بشكل متعمّد إيصال المساعدات الدولية إلى قطاع غزة وتعاقب جميع الفلسطينيين/ات الذين يعيشون في القطاع بحرمانهم عمدًا من الحياة والأمان.
ويقول التقرير إنّ الاحتلال الإسرائيلي:
- يسمح فقط بدخول المساعدات عبر معبرين إلى قطاع غزة – في رفح وكرم أبو سالم/شالوم – على الرغم من سيطرتها الكاملة لفتح المزيد من المعابر، وبالتالي تخلق نقاط اختناق للمساعدات والتجارة يمكن تجنّبها؛
- يعتمد نظام تفتيش مختل وظيفيًا ومحدود الحجم يعيق حركة المساعدات ويخضع لإجراءات بيروقراطية مرهقة ومتكرّرة ولا يمكن التنبؤ بها تساهم في تقطع السبل بالشاحنات في طوابير انتظار عملاقة تستغرق 20 يومًا في المتوسط؛
- يرفض بشكل روتيني وتعسفي مواد المساعدات باعتبارها “ذات استخدام (عسكري)”، وتحظر تمامًا الوقود والمولدات إلى جانب المواد الحيوية الأخرى لاستجابة إنسانية ذات مغزى مثل معدات الحماية ومجموعة الاتصالات. ويجب أن تمرّ الكثير من المساعدات المرفوضة من خلال نظام “موافقة مسبقة” معقد أو ينتهي بها الأمر في طي النسيان في مستودع العريش في مصر؛
- يتخذ إجراءات صارمة ضد البعثات الإنسانية، وتغلق شمال قطاع غزة إلى حدّ كبير، وتقيّد وصول العاملين/ات في المجال الإنساني الدولي ليس فقط إلى قطاع غزة، وإنما أيضًا إلى إسرائيل والضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية أيضًا.
15 ألف شاحنة مساعدات فقط!
وقد سمحت إسرائيل بدخول 15 ألف و413 شاحنة إلى قطاع غزة خلال الأيام الـ157 الماضية من الحرب. وتقول منظمة أوكسفام إنّ سكان قطاع غزة يحتاجون إلى خمسة أضعاف ذلك العدد فقط لتلبية الحد الأدنى من احتياجاتهم. وفي شهر فبراير، سمحت إسرائيل بدخول 2,874 شاحنة، أي بانخفاض نسبته 44% عن الشهر السابق.
كما أنّ سلوك إسرائيل يقوّض المساعدات الدولية من خلال هجومها العسكري المتواصل في قطاع غزة غير المسبوق من حيث الشدة والوحشية والنطاق – والذي وصفه القادة الإسرائيليون أنفسهم بأنّه “حصار شامل” – كما توضح منظمة أوكسفام:
- يفرض الهجوم الإسرائيلي على عمال وعاملات الإغاثة في قطاع غزة وشركاء الوكالات الدولية بيئة “غير صالحة للسكن عمليًا” من النزوح الجماعي والحرمان، إذ يُلقى الآن 75 بالمئة من النفايات الصلبة في مواقع عشوائية، ما يجعل 97 بالمئة من المياه الجوفية غير صالحة للاستخدام البشري، وتستخدم الدولة الإسرائيلية التجويع كسلاح حرب.
- لم تبق إسرائيل أي مكان آمنًا في قطاع غزة في ظلّ عمليات التهجير القسري والمتعدّدة في كثير من الأحيان لجميع السكان تقريبًا، ما يجعل التوزيع المبدئي للمساعدات غير قابل للتطبيق، بما في ذلك قدرة الوكالات على المساعدة في إصلاح الخدمات العامة الحيوية على نطاق واسع.
- تواصل إسرائيل هجماتها غير المتكافئة والعشوائية على الأصول المدنية والإنسانية – بما في ذلك على الأشخاص – مثل محطات الطاقة الشمسية والماء والطاقة والصرف الصحي ومباني الأمم المتحدة والمستشفيات والطرق وقوافل المساعدات والمستودعات، حتى عندما يفترض أن تكون هذه الأصول “محايدة” بعد مشاركة إحداثياتها بهدف حمايتها.
وأضافت أبي خليل إنّ ” الاحتلال الإسرائيلي قد خلق العاصفة المثالية للانهيار الإنساني وهي فقط التي يمكنها إصلاح ذلك”.
وقالت سيلين معايعة، مسؤولة المناصرة والبحوث في منظمة جذور للصحة والتنمية الاجتماعية إحدى المنظمات الشريكة لمنظمة أوكسفام في قطاع غزة:
“تلقت جذور الدعم الجزيل من جميع أنحاء العالم، لكننا محبطون للغاية بسبب عجزنا وعدم قدرتنا على إيصال ما يكفي من المساعدات إلى قطاع غزة. وخلال الأسابيع القليلة الأولى، تمكنا من شراء كل ما يمكننا الحصول عليه من الأسواق المحلية. والآن، لم يعد يوجد شيء تقريبًا – لا موارد ولا إمدادات. والحالة في الشمال رهيبة حقًا. لقد كان ثمة زيادة مقلقة في حالات سوء التغذية بين الأطفال في الشهر الماضي، ومع ذلك فإن الغذاء الوحيد الذي تمكن الفريق من العثور عليه لإطعام الأشخاص الذين يعيشون في 45 مأوى هو بعض الخضروات. وثمة حرمان متعمّد من المساعدات لا جدال فيه من صنع البشر يستمرّ في سرقة الأرواح من جميع عمليات الإغاثة الإنسانية، بما في ذلك عملياتنا”.
وتدعو منظمة أوكسفام إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار لإنهاء الموت والمعاناة لأن التدابير التي تهدف إلى حماية المدنيين/ات أو تقديم المساعدات لهم لا تجدي نفعًا. ويجب على الجماعات الفلسطينية المسلحة إطلاق سراح الرهائن المدنيين الذين تحتجزهم. ويجب كذلك السماح للنازحين/ات بالعودة إلى ديارهم بأمان.
كما أنّ الدول الأخرى ملزمة باتخاذ جميع الإجراءات الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية اللازمة لمنع الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وتمكين المزيد من المساعدات ومنع تهجير الفلسطينيين/ات قسرًا خارج قطاع غزة. وينبغي للدول أن توقف مبيعاتها من الأسلحة وغيرها من أشكال المساعدة الأمنية التي من شأنها أن تسهل حدوث إبادة جماعية وجرائم الحرب المتواصلة والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل على قطاع غزة.