تقرير: سلمى نصر الدين
توفي والدا عائشة (اسم مستعار)*، فتاة سودانية تعيش في الخرطوم، وتركها وحدها، تزامن ذلك مع بدء الصراع في السودان بين ميليشيا الدعم السريع والجيش السوداني في 15 أبريل 2023.
اقتحمت الميليشيا المسلحة التابعة للدعم السريع المنطقة السكانية التي تعيش بها عائشة، لم تكن عائشة تخرج من منزلها سوى لشراء الأساسيات والاحتياجات من الطعام والشراب.
تقول عائشة: “في أحد الأيام، جاء جنديان للتحقق مِن مَن كان لا يزال في المنطقة. طرقوا بابي وسألوا إذا كان هناك أي شخص آخر في المنزل. كنت مرعوبة، أخبرتهم أنني وحدي. ويبدو أنهم كانوا يبحثون عن مقاتلين فغادروا”.
لكن المسلحين لم يتركوا عائشة، بل عادوا بعد بضعة أيام، تصف عائشة ما حدث قائلة: “لقد جاءوا ووجهوا مسدسا نحوي. قالوا لي ألا أصرخ أو أقول أي شيء – ثم بدأوا في خلع ملابسي. أمسك أحد الجنود البندقية بينما اغتصبني الآخر، وبعد ذلك تناوبوا”.
عائشة هي ضمن 451 حالة اغتصاب وعنف جنسي وثقتها مبادرة معًا ضد الاغتصاب والعنف الجنسي في السودان خلال الفترة من 15 أبريل 2023 وحتى 30 يونيو 2024، وضمن 7 ملايين سيدة وفتاة تواجه أخطار العنف الجنسي القائم على الصراع في السودان، بحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان.
حمل وولادة المغتصبات
14 حالة حملت أو وضعت مولدها نتيجة للاغتصاب -وهي الحالات التي جرى توثيقها فقط- من ضمنها عائشة، والتي تقول: إن المسلحين لازموا بيتها على مدار 4 أيام متواصلة، وما إن تركوا المنزل فرت هاربة إلى أسرة أحد أصدقائها التي كانت تستعد للنزوح إلى كسلا.
نزحت معهم عائشة، تُضيف: “في كسلا، اكتشفت أنني حامل. قررت عائلة صديقتي المغادرة، ولكن عندما علموا بذلك رفضوا اصطحابي معهم. كنت وحيدة ولا أعرف أحدًا، حاولت البقاء في مخيم للنازحين، لكنهم رفضوني”.
بحسب الشبكة الاستراتيجية لنساء القرن الإفريقي (صيحة) فإن حالات الحمل غير المرغوب فيه بالسودان تتفاقم لغياب البرتوكول الخاص بحالات الاغتصاب، وذلك لعدة أسباب أهمها عدم توفر الرعاية الطبية في مناطق وولايات الاشتباك وما حولها؛ حتى في حالات الطوارئ الطبية والتي يعد العنف الجنسيّ أحدها؛ إذ يتعرض ضحاياه إلى عواقب صحية ونفسية خطيرة بما في ذلك الانتحار، حيث رصُدت 7 حالات انتحار من ولايات الخرطوم والجزيرة وسنار.
وتُضيف شبكة صيحة أنه ورغم أن الضحايا/الناجيات يفضلن الخروج من مناطق تعرضهن للجريمة والوصول إلى الولايات الآمنة إلا أن تلك الولايات لا يتوفر فيها استقبال مهيأ للضحايا، أو مؤسسات صحية وخدمات اجتماعية؛ والعون القانوني للتعامل مع ضحايا العنف الجنسي، وهو وضع كان سائدا من قبل الحرب وتفاقم في أعقابها.
بالإضافة إلى ضعف استجابة المنظمات الدولية المعنية بقضايا الحماية ووكالات الأمم المتحدة. إضافة إلى افتقار الكوادر الموجودة في المستشفيات ومرافق الرعاية الاجتماعية للمعرفة الكافية بالرعاية الصحية والتدابير الأولية المطلوبة للتعامل مع ضحايا الاغتصاب، كل هذه العوامل تسهم في ارتفاع نسب الحمل غير المرغوب فيه.
لا أوراق ثبوتية، لا حقوق
تقول المحامية وعضو مبادة ناجيات من حرب 15 أبريل، أروى صابر، أن وضع المغتصبات المجتمعي صعب للغاية، فالمغتصبة التي لم تتخذ أي إجراء قانوني لإثبات قوع الاغتصاب تُعتبر زانية ويُقام عليها حد الزنا.
وتُضيف أن القانون السوداني أعطى الحق للمرأة المغتصبة أن تُجهض حملها خلال أو 3 أشهر، بحسب المادة 135 من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991 فإنه “يعد مرتكبا جريمة الإجهاض من يتسبب قصدا في إسقاط جنين لإمرأه إلا إذا حدث الإسقاط في أي من الحالات الآتية:
أ. إذا كان الإسقاط ضروريا للحفاظ على حياة الأم.
ب. إذا كان الحمل نتيجة لجريمة اغتصاب ولم يبلغ تسعين يوما ورغبت المرأة في الإسقاط.
جـ. إذا ثبت أن الجنين كان ميتا في بطن امه.
لكن يجب أن يتم ذلك من خلال إجراءات قانونية وهي التبليغ في النيابة والحصول على حكم من المحاكمة للقيام بالإجهاض، بحسب المحامية وعضو المبادرة.
وتوضح أروى، في حديثها لـ المهاجر، أن المواليد نتاج الاغتصاب يواجهوا مشكلة عدم وجود أوراق ثبوتية، فالقانون السوداني لا يُعطي حق سوى للأب بأن يستخرج شهادة ميلاد لطفلها، وبالتالي مع صعوبة إثبات نسب الطفل لا يُمكن استخراج أي أوراق ثبوتيه له، ما يعني حرمانه من التعليم والتطعيمات وحق في السفر والزواج.
أسر بديلة للرعاية
تواجه المغتصبات في المجتمع السوداني، الوصمة والعار، وفي هذا السياق تقول الدكتورة رقية السيد الطيب، أستاذ علم النفس بجامعة الخرطوم، إن المجتمع ينظر للفتاة المُغتصبة على أنها وصمة وبأنها “فقدت شرفها”، ولا تكون آثار تلك النظرة على الضحية فقط بل على أسرتها أيضًا، وقد يترتب عليها عدم زواج الفتاة أو أخواتها البنات.
تضيف أن أسرة الضحية نفسها قد تُعاملها مُعاملة بها إذلال وتنمر لاعتقادهم أنها المسئولة عن وقوع الاعتداء الجنسي ولم تدافع عن نفسها بشكل كافي. كما تواجه ضغوط من أقرانها وزملائها في العمل أو المدرسة يدفعها لترك العمل والدراسة، وبعض الأزواج يُطلقن زوجاتهم بعد تعرضها للاغتصاب، وأحيان كثيرة تضطر للانتقال من مكان إقامتها هربًا من ألسنة الجيران والمحيطين بها.
وتؤكد الطيب، في حديثها لـ المهاجر، أن الفاتورة التي تدفعها النساء المُغتصبات كبيرة حال نتج عن الاغتصاب حمل.
تذكر عضو مبادرة ناجيات من حرب 15 أبريل، أن إشكالية الحمل والولادة بسبب الاغتصاب تؤرق المنظمات النسوية والعاملة في مجال حقوق النساء، ويدور نقاش حول تبني هؤلاء الأطفال من قبل أسر بديلة.
وتوضح أنه لم يُتفق على آلية القيام بذلك خاصة أن القانون السوداني يمنع التبني، ولكن المقصود هو أن تتولى أسرة بديلة رعاية الطفل وسيظل دون أي أوراق ثبوتية.
تمكنت عائشة من الحصول على مساحة آمنة وفرها لها صندوق الأمم المتحدة للسكان مع اقتراب موعد ولادتها لطفل سيولد دون أي أوراق تثبت حقه في الحياة هو مئات الأطفال غيره.
*قصة عائشة منقولة عن صندوق الأمم المتحدة للسكان