حقوقشكاوىمنظمات

هيومن رايتس ووتش توثق عمليات اعتقال وتعذيب بحق عاملين في الرعاية الصحية في غزة

وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش احتجاز جيش الاحتلال الإسرائيلي عاملين في الرعاية الصحية في غزة، منذ بداية الإبادة الجماعية يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ورحلتهم إلى أماكن احتجاز داخل الأراضي المحتلة وعذابتهم وأساءت معاملتهم.

 

تحدث أطباء وممرضون ومسعفون مفرج عنهم للمنظمة عن سوء المعاملة داخل منشآت الاحتجاز، الذي شمل الإذلال والضرب، وإجلاسهم في وضعيات مجهدة، بالإضافة للتقييد وعصب الأعين لفترات طويلة والحرمان من الرعاية الطبية، وتضمن التعذيب الاغتصاب والاعتداء الجنسي.

 

إجراء تحقيق شامل

قالت بلقيس جراح، مديرة قسم الشرق الأوسط بالإنابة في هيومن رايتس ووتش: “تواصل الحكومة الإسرائيلية إساءة معاملة الكوادر الطبية الفلسطينية بعيدا عن الأعين وعليها التوقف فورا. ينبغي إجراء تحقيق شامل في التعذيب وغيره من ضروب إساءة معاملة الأطباء والممرضين والمُسعفين، ومعاقبة الجناة بشكل مناسب، بما في ذلك من قبل ’المحكمة الجنائية الدولية‘”.

 

بين مارس/آذار ويونيو/حزيران 2024، قابلت هيومن رايتس ووتش ثمانية فلسطينيين عاملين في مجال الرعاية الصحية اعتقلهم جيش الاحتلال الإسرائيلي من غزة بين نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2023 واحتجزهم دون اتهامات لمدد تتراوح بين سبعة أيام وخمسة أشهر. اعتُقل ستة منهم أثناء العمل عقب الحصار الإسرائيلي للمستشفيات أو أثناء عمليات إخلاء المستشفيات التي قالوا إنها جرت بالتنسيق مع الجيش الاحتلال. لم يقل أي من العاملين في الرعاية الصحية إنهم أُبلغوا بسبب احتجازهم أو اتُهموا بارتكاب جريمة. تحدثت هيومن رايتس ووتش أيضا مع سبعة أشخاص شهدوا اعتقال جنود إسرائيليين لعمال الرعاية الصحية أثناء قيامهم بواجباتهم.

 

 

قدّم جميع العاملين في الرعاية الصحية روايات مماثلة عن إساءة المعاملة في السجون الإسرائيلية. بعد أن كانوا في غزة، رُحلوا إلى منشآت الاحتجاز في إسرائيل، منها قاعدة سدي تيمان العسكرية في صحراء النقب وسجن عسقلان، أو نُقلوا قسرا إلى قاعدة عنتوت  العسكرية بالقرب من القدس الشرقية وسجن عوفر في الضفة الغربية المحتلة. قالوا جميعا إنهم جُرِّدوا من ملابسهم، وضُربوا، وعُصبت أعينهم، وقُيّدت أيديهم لأسابيع عديدة متتالية، وتعرضوا للضغط حتى يعترفوا بأنهم أعضاء في حركة “حماس”، مع تهديدات مختلفة بالاحتجاز لأجَل غير محدد والاغتصاب وقتل عائلاتهم في غزة.

قال طبيب جرّاح إنه كان “يرتدي زيه الطبي وحذاء كروكس” عندما اعتقلته القوات الإسرائيلية أثناء حصارها لمستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا بغزة، في ديسمبر/كانون الأول. قال: “كنا 50 كادر طبي، بما يشمل ممرضين وأطباء. أمر الجندي عبر الميكروفون الرجال والفتيان الذين تزيد أعمارهم عن 15 عاما بإخلاء المستشفى. … وعندما أخرجونا من المستشفى، طلبوا منا خلع ملابسنا والبقاء في ملابسنا الداخلية”.

 

أفاد مُسعِف إنه في مركز احتجاز سدي تيمان، تم تعليقه بسلسلة مربوطة بالأصفاد، وصُعق بالكهرباء، وحُرم من الرعاية الطبية لعلاج كسور ضلوعه الناتجة عن الضرب، وأُعطي ما يعتقد أنه مُخدّر ذو تأثير نفسي قبل التحقيق معه. قال: “كان الأمر مذلا للغاية، وكان أمرا لا يصدق. كنت أساعد الناس كمُسعف، ولم أتوقع شيئا كهذا أبدا”.

 

ذكر عمال الرعاية الصحية أيضا أنهم تعرضوا للعقاب في الحجز بسبب الحركة أو التحدث، والعقاب الجماعي إذا تحدث محتجزون آخرون. قال أحدهم: “إذا تحدث شخص، فإنهم [الجنود] يعاقبون المستودع بأكمله [في سجن النقب] بشكل جماعي”.

 

أفادت وزارة الصحة في غزة أن قوات الاحتلال الإسرائيلية احتجزت على الأقل 310 كادر طبي فلسطيني منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول. وثّقت “هيلث كير ووركرز ووتش – فلسطين“، وهي منظمة غير حكومية، 259 عملية احتجاز لعاملين في الرعاية الصحية وجمعت 31 رواية تصف التعذيب وغيره من الانتهاكات على يد السلطات الإسرائيلية، بما في ذلك استخدام وضعيات مُجهدة، والحرمان من الطعام والماء الكافيين، والتهديد بالعنف الجنسي والاغتصاب، والمعاملة المهينة.

أقرأ أيضًا| الأمم المتحدة: آلاف المعتقلين الفلسطينيين تعرضوا للتعذيب والمعاملة القاسية في سجون الاحتلال

الاحتجاز التعسفي يفاقم الأزمة الصحية في غزة

قالت هيومن رايتس ووتش إن الاحتجاز التعسفي المطول وإساءة معاملة الكوادر الطبية فاقم الأزمة الصحية في غزة. منذ أكتوبر/تشرين الأول، أصيب أكثر من 92 ألف شخص في غزة، ولدى المستشفيات العاملة أقل من ألف و500 سرير للمرضى المقيمين، ومع ذلك، سمحت سلطات الاحتلال الإسرائيلية لـ 35٪ فقط من حوالي 14 ألف شخص طلبوا الإخلاء الطبي بمغادرة غزة، وفقا لتقرير “منظمة الصحة العالمية” في 5 أغسطس/آب.

 

تتوافق روايات الكوادر الطبية مع التقارير المستقلة، منها تقارير مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ووسائل الإعلام الإسرائيلية، والجماعات الحقوقية، والتي توثّق العشرات من روايات المعتقلين عن الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي، والضرب، والعنف الجنسي، والاعترافات القسرية، والصعق بالكهرباء، وغيرها من أشكال التعذيب والانتهاكات التي يتعرض لها الفلسطينيون في منشآت الاحتجاز الإسرائيلية.

 

ذكرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية في 3 يونيو/حزيران أن الجيش الإسرائيلي يُجري تحقيقات جنائية في وفاة 48 فلسطينيا في منشآت الاحتجاز الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول. ومن بينهم الدكتور عدنان البرش، وهو جراح ورئيس قسم جراحة العظام في مستشفى الشفاء، والدكتور إياد الرنتيسي، وهو مدير مركز صحة المرأة في مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا.

 

مخالفة لاتفاقيات جنيف

تنص “المادة 3 المشتركة في اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949″، المنطبقة على الأعمال العدائية بين إسرائيل وجماعات المقاومة الفلسطينية، على أن “الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية… يُعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية”. “المعاملة القاسية، والتعذيب” و” الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة” محظورة في جميع الأوقات. والجرحى والمرضى “يجب… أن يحصلوا على الرعاية”.

 

تحظر المادة 49 من “اتفاقية جنيف الرابعة”، المنطبقة على الأراضي المحتلة، النقل الجبري الفردي داخل الأراضي المحتلة أو ترحيل المدنيين من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال، أيا كانت دواعيه. الانتهاكات الجسيمة للمادة 3 المشتركة والمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة المرتكبة بقصد إجرامي تُعتبر جرائم حرب.

 

وجدت هيومن رايتس ووتش أن سلطات الاحتلال الإسرائيلية لم توفر على مدى عقود مساءلة موثوقة عن التعذيب وغيره من الانتهاكات ضد المحتجزين الفلسطينيين. وفقا للإحصاءات الرسمية الإسرائيلية، بين 2019 و2022، قُدمت  ألف و830شكوى متعلقة بانتهاكات ارتبكها ضباط مصلحة السجون الإسرائيلية، ولم تؤد أي منها إلى إدانة جنائية. لم تسمح السلطات الإسرائيلية للوكالات الإنسانية المستقلة بالتواصل مع المحتجزين الفلسطينيين منذ بدء الأعمال العدائية.

 

يتعين على  الحكومات دعم جهود العدالة الدولية الرامية إلى التصدي للانتهاكات الإسرائيلية ضد المحتجزين الفلسطينيين ومحاسبة المسؤولين عنها. ينبغي للولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وغيرها من الدول الضغط على إسرائيل لإنهاء ممارسات الاحتجاز التعسفية، التي تشكل أحد جوانب القمع الممنهج الكامن وراء جرائم السلطات الإسرائيلية ضد الإنسانية والمتمثلة في الفصل العنصري والاضطهاد ضد الفلسطينيين.

تدرس المحكمة الجنائية الدولية طلبات إصدار أوامر اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين كبار بتهمة ارتكاب جرائم دولية خطيرة، وعليها التأكد من أن تحقيقاتها تتناول الانتهاكات ضد المحتجزين الفلسطينيين. ينبغي لحلفاء إسرائيل الضغط على الحكومة للسماح بشكل عاجل بمراقبة مستقلة لمرافق الاحتجاز.

 

قالت جراح: “يسلط تعذيب الكوادر الطبية الفلسطينية الضوء على قضية أكبر بكثير تتمثل بمعاملة الحكومة الإسرائيلية للمحتجزين بشكل عام. ينبغي للحكومات أن تدعو السلطات الإسرائيلية علنا إلى إطلاق سراح العاملين في الرعاية الصحية المحتجزين بشكل غير قانوني، ووقف إساءة المعاملة والظروف المروعة لجميع الفلسطينيين المحتجزين”.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى