تقارير

يشربون مع البهائم ويأكلون الجراد.. دارفور تعيش مجاعة تقتل الأطفال والنساء

تقرير: سلمى نصر الدين

لا امتلك شيئًا لا أكله، ولا حتى الخبز، نُطالب المنظمات بالمساعدة، لدي 10 أطفال، ونعيش في مخيم نيرتي للنازحين وضعنا صعب للغاية، لدي طفل بين الحياة والموت بسبب قلة التغذية، بتلك الكلمات وصفت فاطمة محمد عثمان، أم سودانية لـ 10 أطفال تعيش في مخيم نيرتي للنازحين في دارفور وضعها هي وآلاف غيرها ممن يعيشون في مخيمات النزوح في دارفور.

 

يواجه السودان أسوأ أزمة إنسانية، وأكبر أزمة جوع  بحسب العديد من المنظمات الأممية والدولية، ووصفت Refugees international (منظمة غير حكومية تُعرف نفسها بأنها مكرسة لتجعل العالم أكثر ترحيبًا بالأشخاص الباحثين عن ملجأ)، الوضع الإنساني في السودان: “سيموت المزيد من الناس في السودان بسبب الجوع والمرض في الأشهر المقبلة. مع نزوح أكثر من 10 ملايين شخص ومواجهة نصف سكانه لانعدام الأمن الغذائي الحاد – بما في ذلك ما يقرب من 5 ملايين على شفا المجاعة – أصبح السودان الآن أكبر أزمة نزوح في العالم، وواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية. وأصبحت دارفور، مع تزايد الجوع وشبح الإبادة الجماعية، أسوأ أزمات السودان”

 

يواجه قرابة 18 مليون إنسان أو ما يزيد عن ثلث السكان في السودان والمُقدر عددهم بـ 49 مليون شبح المجاعة، إثر حرب تسببت في توقف الزراعة خاصة مع اقتحام الدعم السريع لولاية الجزيرة التي توصف بسلة غذاء السودان، وولايات إقليم دارفور الخمس ونهب الأراضي الزراعية وهجرة المزارعين للأراضي، كما نُهبت المستودعات الغذائية، وتوقفت حكومة بورتسودان (التي يدعمها الجيش السوداني)، عن إصدار التصريحات اللازمة لمنظمات الإغاثة الدولية والأممية لإدخال المساعدات، ومنع دخول المساعدات من تشاد؛ ما فاقم الوضع في إقليم دارفور وأدخله في مجاعة.

 

دارفور تُعلن المجاعة

في مخيم زمزم الذي يبعد عن مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور 12 كيلو مترًا ويضم قرابة 500 ألف نازح، أعلنت لجنة مراجعة المجاعة في التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي أنه بسبب الصراع المستمر على مدار 15 شهرًا في السودان والذي أعاق بشدة وصول المساعدات الإنسانية دفع بمخيم زمزم للنازحين إلى براثن المجاعة.

 

وتصنف هذه المبادرة العالمية – التي تضم وكالات الأمم المتحدة وشركاء إقليميين ومنظمات إغاثة – انعدام الأمن الغذائي إلى خمس مراحل. والمجاعة هي المرحلة الخامسة من التصنيف وتعني أن واحدا على الأقل من بين كل خمسة أشخاص أو عائلة يعانون من نقص حاد في الغذاء ويواجهون خطر المجاعة.

 

بحسب المنسقية العامة لشئون اللاجئين والنازحين في دارفور، فإن مخيم زمزم هو واحد من 171 مخيمًا للنازحين في دارفور، لا يختلف وضعهم التغذوي عما هو موجود في مخيم زمزم، الوضع التغذوي السيء هو الذي دفع المنسقية إلى إعلان المجاعة قبل عدة أشهر في مخيمات دارفور.

  • نازحين في مخيم كلمة يتحدثون عن الجوع في المخيم

 

في مؤتمر صحفي، أبريل/ نيسان 2024، أي بعد عام واحد من اندلاع الصراع، أعلن الناطق الرسمي باسم منسقية اللاجئين والنازحين في السودان، آدم رجال، وصول مخيمات النزوح واللجوء في إقليم دارفور للمجاعة، قائلًا: “نعلن وبصفة رسمية من داخل مخيمات النزوح بدارفور بأننا قد وصلنا إلى مرحلة المجاعة بالدرجة الأولى وفقدنا الأمل من هذه الدنيا الفانية، الأطفال يموتون جوعاً وليس لدينا ما نقدم لهم، بسبب سوء التغذية وشح في المواد الغذائية الرئيسية والنقص الكبير في الغذاء المتكامل وكذا الحال بالنسبة للأمهات الحوامل والمرضعات وكبار السن”.

 

وأضاف: أن عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية في مخيمات النزوح بالداخل أكثر من مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، بالإصابة لسوء التغذية العلاجية، والوقائية إن عدد الأطفال الذين ماتوا بسبب نقص الغذاء وسوء التغذية داخل مخيمات النزوح خلال 11 شهر أكثر من 561 طفل بمعدل يومي 17 طفل، وارتفع هذا العدد مؤخرًا ليتراوح بين 20 إلى 25 يوميًا.

 

أكل الجراد

وفي حديثه مع المهاجر، أوضح آدم رجال الأسباب التي جعلت المنسقية تُعلن وصول الوضع في مخيمات النزوح في دارفور حد المجاعة قائلًا: أعلنا بشكل رسمي أن مخيمات النزوح في دارفور وصلت حد المجاعة لأن الفرد في تلك المخيمات غير قادر على توفير وجبة واحدة في اليوم، مضيفًا حتى إذا توفرت الوجبة لا تحتوي على العناصر الرئيسية اللازمة، ووصل الحال بالناس للاعتماد على أكل الجراد حتى يحفظ روحه من الانقراض.

 

  • فيديو لاستخدام الجراد في الأكل- المصدر: المنسقية العامة للاجئين والنازحين في دارفور

 

ويكمل الناطق الرسمي باسم المنسقية العامة لشئون النازحين واللاجئين في السودان، أن مُعسكرات النزوح أيضا تشهد انقطاعًا في المياه ويضطر النازحون للسير مسافات طويلة للوصول إلى آبار المياه والتي تشهد ازدحامًا وطوابير، والكثير لا يستطيع الوصول إليها ما يضطرهم للشرب من تجمعات المياه في الأرض بجانب البهائم.

 

تقييد وصول المساعدات يقتل الأطفال 

أقيمت مخيمات النزوح في دارفور منذ حرب دارفور 2003، وتُقيم بداخلها الأسر والعائلات منذ ذلك الوقت أي قرابة 20 عامًا، يعتمدون اعتمادًا كليًا في توفير الطعام والشراب على منظمات الإغاثة الأممية كـ برنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، ولكن بعد إعلان السلطات السودانية الموالية للجيش السوداني إيقاف عبور المساعدات الإنسانية من الحدود التشادية تفاقم وضع النازحين في الإقليم.

 

وبحسب برنامج الأغذية العالمي قيدت السلطات السودانية تصريحات العبور للمنظمة الأممية ومنعتها من دخول البلاد، بحجة أن الحدود التشادية هي المدخل الرئيسي للسلاح القادم من الإمارات لميليشيا الدعم السريع.

 

تصف عفاف عيسى، ممثلة المرأة في منسقية شئون اللاجئين والنازحين كيف أثر غياب المنظمات الإغاثية على الوضع الإنساني في دارفور، قائلة: مثالًا في معسكر كلمة لا تعمل سوى منظمة الايت Alight وهي لا تمتلك القدرة على تغطية كل معسكرات النازحين بل لا تستطيع تقديم المساعدات لكل النازحين في مخيم كلمة وحده.

 

وتضيف لا يجد أصحاب الإعاقات أو مرضى الأمراض المزمنة أي دواء، موضحة أنه مع الازدحام داخل المخيمات انتشارات أمراض أخرى كالمالاريا ولا تتوفر أي منظمة لتقديم العلاج اللازم للمتضررين.

 

وفيات الأطفال والحوامل

في مايو 2024، رصدت الإدارة العامة لمخيمات اللاجئين والنازحين وفاة 66 طفلًا و38 نازحًا من كبار السن و6 وفيات لنساء حوامل خلال شهر واحد في مخيم كلمة بجنوب دارفور نتيجة لسوء التغذية الحاد.

 

بينما أجرت منظمة أطباء بلا حدود فحصًا لـ 46 ألف طفل في مخيم زمزم للنازحين في شمال دارفور، ووجدت أن حوالي 30% منهم يعانون سوء التغذية الحاد، منهم 8 % يعانون سوء التغذية الحاد الشديد.

كما فحصت المنظمة أكثر من 16 ألف امرأة حامل ومرضع، ووثقت أن 33% منهن يعانين سوء التغذية الحاد، و10% يعانون سوء التغذية الحاد الشديد، منوهة أنه بالنسبة لكلا المجموعتين من السكان، تساوي هذه الأرقام ضعف عتبة الطوارئ البالغة 15 %، مما يشير إلى وجود حالة طوارئ كبيرة تهدد الحياة في مخيم زمزم.   

 

وبلغت حالات الإصابة بسوء التغذية بين الأطفال وكبار السن والحوامل في مكجر بولاية وسط دارفور إلى 450 حالة إصابة، بحسب المنسقية العامة لشئون اللاجئين والنازحين.

صورة لطفل مصاب بسوء التغذية- المصدر: المنسقية العامة للاجئين والنازحين في دارفور

 

لا زراعة أو عمل 

ترى زحل خميس، نازحة داخل إقليم دارفور، أن المرأة هي الأكثر تضررًا من الصراع، قائلة: إن المرأة في دارفور كانت تعتمد في توفير احتياجاتها على الزراعة والعمل في الأسواق، وبعد اندلاع الحرب توقفت الأسواق وأصبحت عمليات التجارة ضئيلة، فيما يُعرض خروج المرأة للزراعة للاغتصاب والمضايقات والمطاردات.

وتضيف زُحل: أن النساء هن الأكثر تحملًا لتكاليف المعيشة وبالتالي هن الأكثر تضررًا من الحرب.

 

يؤكد محمد جمال، متطوع في غرفة طوارئ معسكر أبو شوك للنازحين في ولاية شمال دارفور، على حديث زُحل، قائلًا: الأفراد والأسر في دارفور كانت تعتمد على الزراعة وتوفر من خلالها مخزون استراتيجي للطعام والشراب، ومع اندلاع الحرب توقف الناس عن الزراعة، كما أن الكثير من سكان الولاية كانوا يعملون في الأعمال الموسمية كالبناء والصناعة وقيادة السيارات توقفت أعمالهم إما بسبب الوضع الأمني أو لتوقف المصانع والشركات التي كانوا يعملون بها عن العمل.

 

ويوضح محمد لـ المهاجر، أن معسكر أبو شوك استقبل قرابة 150 ألف شخص منذ اندلاع الحرب ما فاقم الوضع داخل المخيم، وأصبح عبء توفير الطعام كبير، مضيفًا أن الوضع في الولاية بأكملها أصبح شديد الصعوبة، وأصبحت المنازل فارغة من كافة أصناف الطعام والشراب ويلجأون للطعام الذي توفره غرف الطوارئ والمبادرات الطوعية.

 

كما تفاقم الوضع منذ أبريل 2024 مع اقتحم الدعم السريع لمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، واضطر آلاف السكان في المدينة للنزوح، كما فر 60% من النازحين في معسكر أبو شوك لمناطق أخرى.

 

وفي هذا الصدد يقول مايكل دانفورد، المدير الإقليمي لبرنامج الأغذية العالمي لشرق أفريقيا، إن التصاعد الأخير في أعمال العنف في الفاشر إلى تفاقم الاحتياجات الإنسانية الحرجة في دارفور، حيث يعاني ما لا يقل عن 1.7 مليون شخص بالفعل من مستويات طارئة من الجوع (المستوى الرابع للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي). وكانت الفاشر ملاذاً آمناً نسبياً للأسر، حيث استضافت العديد من مخيمات النازحين التي تعود إلى ما قبل النزاع الحالي. ومع ذلك، كانت الظروف حرجة، حيث وردت تقارير عن وفاة أطفال بسبب سوء التغذية.

 

ويؤكد على أن القيود التي تفرضها السلطات في بورتسودان برنامج الأغذية العالمي من نقل المساعدات عبر أدري، وهو المسار الوحيد الممكن عبر الحدود من تشاد. ويمكن أن يخدم الطريق غرب دارفور ومواقع أخرى في وسط وجنوب وشرق دارفور. تهدد هذه القيود المفروضة على الوصول خطط برنامج الأغذية العالمي لتقديم المساعدات الحيوية لأكثر من 700 ألف شخص قبل موسم الأمطار عندما تصبح العديد من الطرق في جميع أنحاء دارفور غير سالكة.

 

لا يطلب النازحون في دارفور سوى إدخال المساعدات الغذائية كي تنجيهم من الموت، وتقول عفاف إننا على مدار 20 عامًا من النزوح كنا منسيين، لكن اليوم الوضع أصبح صعبًا نناشد المنظمات الأممية والدولية أن تُغيثنا.

اطلع على المزيد

منظمة الصحة العالمية: الجوع والخوف من المجاعة يلاحقان السودان

قطع الاتصالات في السودان: مُربح لميليشيا الدعم السريع ويُهدد المواطنين بالجوع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى