أصدرت هيومن رايتس ووتش تقريرًا حول وضع النازحين السوريين بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، وذكرت المنظمة أن إن عشرات آلاف المدنيين الباحثين عن الأمان في مناطق شمال شرق سوريا الخاضع لسيطرة الأكراد يواجهون ظروفا مزرية جرّاء نقص المأوى، والمياه، والغذاء، والرعاية الصحية.
وأكدت أنه ينبغي على جميع أطراف النزاع في سوريا ضمان تدفق المساعدات بدون عوائق، وتوفير ممر آمن للمدنيين الفارين، وحماية من يقررون البقاء.
بدأت الجماعات المسلحة والتي تضم هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري عمليات عسكرية ضد نظام الأسد في 27 نوفمبر/تشرين الثاني وفر على إثرها بحسب هيومن رايتس وتش أكثر من 100 ألف شخص فيما ذكرت تقارير صادرة عن الأمم المتحدة أن الأعداد تجاوزت مليون شخص إلى المناطق التي تحكمها “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” بقيادة الأكراد سعيا للأمان بعيدا عن فصائل الجيش الوطني السوري التي تسيطر على الأراضي في جميع أنحاء محافظة حلب.
وتقول المنظمة يُفاقم الوضع أزمة حادة وطويلة الأمد نتجت عن المخيمات المكتظة والبنية التحتية المتضررة بشدة، ونقص المياه، والكهرباء، والرعاية الصحية، والغذاء، والمأوى الملائم للطقس.
أقرأ أيضًا|مليون نازح في سوريا خلال أسبوعين
قال آدم كوغل، نائب مديرة الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “في ظل الأحداث الاستثنائية الجارية في سوريا، تتسبب المعارك العنيفة والخوف من الانتقام وعنف الجماعات المسلحة في نزوح الآلاف إلى مناطق غير مستعدة لمثل هذا التدفق. نظرا لحجم الأزمة، لا يمكن تفادي كارثة إنسانية إلا بتضافر الجهود الدولية لتقديم الدعم للسلطات المحلية والوكالات الإنسانية العاملة في المنطقة”.
تستمر الاشتباكات في دير الزور ومنبج (بمحافظة حلب) وكوباني، متسببة بنزوح معظم الأكراد والعرب ومجتمعات أخرى نتيجة الاشتباكات بين فصائل الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا و”قوات سوريا الديمقراطية” (“قسد”) المدعومة من الولايات المتحدة بقيادة الأكراد، الجناح المسلح للإدارة الذاتية. كما نفذّت القوات الجوية التركية غارات ضد مواقع قسد.
تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى خمسة أشخاص فروا أو أُجبر أقاربهم على الفرار من منازلهم والبحث عن مأوى في مدن الطبقة والرقة والحسكة، وصحفيَّيْن مقيمَيْن في الحسكة وحلب. قال شخصان تمت مقابلتهما، كردي وعربي شيعي، إنهما يخشيان هجمات الجيش الوطني السوري وانتهاكاته، وقال ثلاثة إنهم تعرضوا للإهانة عند نقاط التفتيش. قالوا إنهم يعرفون أشخاصا تعرضوا للاعتداء أو صودرت هواتفهم على الطريق. أعرب اثنان عن خوفهما من تقدم هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري.
انتهاكات وعنف
للجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا سجل حقوقي سيئ. وجدت هيومن رايتس ووتش أن فصائل الجيش الوطني السوري، ومجموعات أخرى، منها عناصر القوات المسلحة وأجهزة الاستخبارات التركية، اختطفت واعتقلت واحتجزت أشخاصا على نحو غير قانوني، بمن فيهم أطفال؛ وارتكبت العنف الجنسي والتعذيب في ظل مساءلة شبه معدومة، فضلا عن النهب، وسرقة الأراضي والبيوت، والابتزاز.
قالت امرأة إيزيدية إنها غادرت مخيم سردم في حي الشهباء في حلب مع عائلتها وإن حجم النزوح في شمال شرق سوريا فاق قدرات السلطات المحلية. أضافت: “وصلنا إلى الطبقة في منتصف الليل” يوم 1 ديسمبر/كانون الأول “بعد قضاء ليلتين في البرد. كان الأطفال يبكون جوعا وبردا. شهدتُ امرأتين تلدان بدون أي رعاية طبية. يُحزنني رؤية هذه المعاناة”.
قالت إنها غادرت الطبقة وتوجهت إلى الحسكة بعد ثلاثة أيام لأنه لم يكن ثمة مأوىً متاح. أضافت: “نحن بحاجة ماسة إلى المأوى والدواء والطعام. مع قدوم الشتاء، نحتاج أيضا إلى الدعم المناسب لمواجهة برد الشتاء”. أضافت أنهم تعرضوا لمضايقة مقاتلي الجيش الوطني السوري وإساءاتهم اللفظية عند نقاط التفتيش “بغض النظر عما إذا كنا إيزيديين أم لا، لمجرد أننا أكراد”.
أقرأ أيضًا|هيومن رايتس ووتش: لا يمكن عودة اللاجئين السوريين قبل أن ينتهي العنف في سوريا
قال رجل كردي آخر فر مع أفراد عائلته من تل رفعت شمال حلب إلى مدينة الطبقة في 2 ديسمبر/كانون الأول إن الجماعات المسلحة عند نقاط تفتيش الجيش الوطني السوري أساءت إليهم لفظيا وإنهم شهدوا ما يبدو أنها فظائع، شملت جثثا متفحمة مجهولة الهوية على الطريق. قال: “وصلنا إلى الطبقة مساء الثلاثاء [3 ديسمبر/كانون الأول] ولجأنا إلى مدرسة. زودتنا المنظمات غير الحكومية والسلطات بالطعام والكاز والأفرشة، لكن بقيت عائلات عديدة بدون مأوى مناسب، ولجأت إلى الشوارع بحثا عن مأوى”.
في 7 ديسمبر/كانون الأول، أفاد “منتدى المنظمات غير الحكومية” في شمال شرق سوريا أن أعدادا هائلة وصلت إلى شمال شرق سوريا، بما في ذلك الطبقة، ما دفع إلى افتتاح موقع استقبال جديد في 4 ديسمبر/كانون الأول، واستخدام 35 مبنًى إضافيا لاستضافة النازحين.
في الرقة، ظل الوضع حرجا رغم افتتاح السلطات أكثر من 70 مبنى كملاجئ جماعية مؤقتة. في الطبقة والرقة، بلغت مواقع الاستقبال طاقتها القصوى. كما أنشأت السلطات مواقع استقبال في كوباني، والحسكة، والقامشلي.
تستخدم السلطات المحلية 186 مدرسة في الرقة والطبقة والحسكة والقامشلي كملاجئ، ما تسبب بتعطيل تعليم قرابة 185 ألف طالب، وفقا للأمم المتحدة. كما تأثرت بشدة خدمات الرعاية الصحية، والمياه، والصرف الصحي.
ظروف مزرية
كانت الظروف الإنسانية في المنطقة مزرية قبل الأعمال العدائية الجديدة. قال “مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة” (أوتشا) إن النزاع في شمال شرق سوريا “ألحق أضرارا بالبنية التحتية المدنية والأصول الإنسانية، وعطل الخدمات”.
بعد غزو تركيا لشمال شرق سوريا عام 2019 ونزوح معظم الأكراد جماعيا عقب ذلك من المناطق التي تحتلها تركيا الآن، ارتفع عدد سكان محافظة الحسكة من أقل من نصف مليون إلى مليونين. كما نزح 23 ألف شخص إلى شمال شرق سوريا نتيجة أعمال العنف الأخيرة في لبنان.
على مر السنين، افتقر عشرات آلاف النازحين الذين يعيشون في مخيمات وملاجئ مكتظة في شمال شرق سوريا إلى المساعدات المستدامة أو الكافية، في حين أدت أزمة المياه الحادة التي طالت منطقة الحسكة إلى زيادة الضغوط على السلطات المحلية والجماعات غير الحكومية الداعمة للمجتمعات النازحة.
كما ألحقت الأعمال العدائية السابقة في المنطقة، بين 23 و26 أكتوبر/تشرين الأول، أضرارا بالغة بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك “محطات تحويل الكهرباء ومصانع الغاز والوقود والمرافق الطبية والأراضي الزراعية والصوامع وطرق الوصول الرئيسية”، وفقا للأمم المتحدة. أثّر ذلك بدوره على توافر المياه، والكهرباء، والتدفئة، والرعاية الصحية، والغذاء.
وطالبت المنظمة أطراف النزاع الامتناع عن الهجمات التي تستهدف المدنيين والأعيان المدنية وكذلك الهجمات العشوائية، واتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنب الإصابات بين المدنيين، وضمان قدرة المدنيين على الفرار من القتال بأمان. كما ينبغي لهم ضمان عدم قيام المقاتلين بمضايقة السكان الذين يختارون البقاء في المناطق التي تم الاستيلاء عليها حديثا أو اعتقالهم أو إساءة معاملتهم، ومحاسبة أي شخص مسؤول عن الانتهاكات.
تقول الأمم المتحدة إن الأزمة الإنسانية في سوريا لا تزال إحدى أقسى الأزمات في العالم، إذ احتاج 16.7 مليون شخص إلى المساعدة بحلول سبتمبر/أيلول، قبل دخول أكثر من نصف مليون شخص نزحوا من لبنان جراء النزاع مع إسرائيل.
ينبغي لأطراف النزاع إزالة أي عائق أمام تسليم المساعدات إلى المناطق غير الخاضعة لسيطرتها في شمال شرق سوريا على وجه السرعة، وينبغي للإدارة الذاتية زيادة الدعم حيثما أمكن. ينبغي للمانحين الدوليين زيادة تمويلهم.
قال كوغل: “الوضع المزري للنازحين في شمال شرق سوريا لن يحلّ نفسه. ينبغي للمانحين والوكالات الإنسانية والأمم المتحدة تركيز استجابتهم على نهج قائم على الحقوق لتخفيف احتياجات الناس”.